أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا
كانت الصلاة من عماد الأديان كلها . وكان المكذبون الملحدون قد تمالئوا في كل أمة على إنكارها والاستهزاء بفاعلها أتواصوا به بل هم قوم طاغون ، فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم - بناء على التناسب بين السبب والمسبب في مخالفة المعتاد - قصدا للتهكم به والسخرية عليه تكذيبا له فيما جاءهم به ، فإسناد الأمر إلى الصلوات غير حقيقي إذ قد علم كل العقلاء أن الأفعال لا تأمر . والمعنى أن صلاته تأمره بأنهم يتركون ، أي تأمره بأن يحملهم على ترك ما يعبد آباؤهم . إذ معنى كونه مأمورا بعمل غيره أنه مأمور بالسعي في ذلك بأن يأمرهم بأشياء .
[ ص: 142 ] و ( ما ) في قوله : ما يعبد آباؤنا موصولة صادقة على المعبودات . ومعنى تركها ترك عبادتها كما يؤذن به فعل يعبد . ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية بتقدير : أن نترك مثل عبادة آبائنا .
وقرأ الجمهور ( أصلواتك ) بصيغة جمع صلاة . وقرأه حمزة ، ، والكسائي وحفص ، وخلف ( أصلاتك ) بصيغة المفرد .
و ( أو ) من قوله : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء لتقسيم ما يأمرهم به لأن منهم من لا يتجر فلا يطفف في الكيل والميزان فهو قسم آخر متميز عن بقية الأمة بأنه مأمور بترك التطفيف . فقوله : أن نفعل عطف على ما يعبد آباؤنا ، أي أن نترك فعل ما نشاء في أموالنا فنكون طوع أمرك نفعل ما تأمرنا بفعله ونترك ما تأمرنا بتركه .
وبهذا تعلم أن لا داعي إلى جعل ( أو ) بمعنى واو الجمع ، كما درج عليه كثير من المفسرين مثل البيضاوي والكواشي وجعلوه عطفا على ( نترك ) فتوجسوا عدم استقامة المعنى كما قال . وتأوله بوجهين : أحدهما عن الطبري أهل البصرة والآخر عن أهل الكوفة ، أحدهما مبني على تقدير محذوف والآخر على تأويل فعل ( تأمرك ) وكلاهما تكلف . وأما الأكثر فصاروا إلى صرف ( أو ) عن متعارف معناها وقد كانوا في سعة عن ذلك . وسكت عنه كثير مثل صاحب الكشاف . وأومأ البغوي والنسفي إلى ما صرحنا به .
وجملة إنك لأنت الحليم الرشيد استئناف تهكم آخر . وقد جاءت الجملة مؤكدة بحرف إن ولام القسم وبصيغة القصر في جملة لأنت الحليم الرشيد فاشتملت على أربعة مؤكدات .
والحليم ، زيادة في التهكم : ذو الحلم أي العقل ، والرشيد : الحسن التدبير في المال .