أي لو آمنوا بمحمد واتقوا الله فلم يقدموا على إنكار ما بشرت به كتبهم لكانت لهم مثوبة من عند الله ومثوبة الله خير من كل نفع حملهم على المكابرة .
ولو شرطية امتناعية اقترن شرطها بأن مع التزام الفعل الماضي في جملته على حد قول امرئ القيس :
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال
وأن مع صلتها في محل مبتدأ عند جمهور البصريين وما في جملة الصلة من المسند والمسند إليه أكمل الفائدة فأغنى عن الخبر . وقيل : خبرها محذوف تقديره ثابت أي ولو إيمانهم ثابت .وقوله " لمثوبة " يترجح أن يكون جواب لو فإنه مقترن باللام التي يكثر اقتران جواب لو المثبت بها ، والجواب هنا جملة اسمية وهي لا تقع جوابا للو في الغالب وكان هذا الجواب غير ظاهر الترتيب والتعليق على جملة الشرط لأن مثوبة الله خير سواء آمن اليهود واتقوا أم لم يفعلوا .
قال بعض النحاة : الجواب محذوف أي لا ثيبوا ومثوبة من عند الله خير . وعدل عنه صاحب الكشاف فقال ؟ أوثرت الجملة الاسمية في جواب لو على الفعلية لما في ذلك من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها كما عدل عن النصب إلى الرفع في ( سلام عليكم ) لذلك اهـ .
ومراده أن تقدير الجواب لا ثيبوا مثوبة من الله خيرا لهم مما شروا به أنفسهم ، أو لمثوبة بالنصب على أنه مصدر بدل من فعله ، وكيفما كان فالفعل أو بدله يدلان على الحدوث فلا دلالة له على الدوام والثبات .
ولما كان المقام يقتضي حصول المثوبة وثباتها وثبات الخيرية لها ليحصل مجموع معان عدل عن النصب المؤذن بالفعل إلى الرفع لأن الجملة الاسمية لا تفيد الحدوث بل الثبوت [ ص: 649 ] وينتقل من إفادتها الثبوت إلى إفادة الدوام والثبات فدلالة الآية على ثبات المثوبة بالعدول عن نصب المصدر إلى رفعه كما في " سلام عليكم " و " الحمد لله " ودلالتها على ثبات نسبة الخيرية للمثوبة من كون النسبة مستفادة من جملة اسمية فصارت الجملة بمنزلة جملتين لأن أصل المصدر الآتي بدلا من فعله أن يدل على نسبة لفاعله فلو قيل " لمثوبة " بالنصب لكان تقديره لا ثيبوا مثوبة فإذا حولت إلى المصدر المرفوع لزم أن تعتبر ما كان فيه من النسبة قبل الرفع ، ولما كان المصدر المرفوع لا نسبة فيه علم السامع أن التقدير " لمثوبة " لهم كما أنك إذا قلت سلاما وحمدا علم السامع أنك تريد سلمت سلاما وحمدت حمدا ، فإذا قلت سلام وحمد كان التقدير سلام مني وحمد مني ، وهذا وجه تنظير الكشاف وقرينة كون هذا المصدر في الأصل منصوبا وقوعه جوابا للو المتأصل في الفعلية ، ثم إذا سمع قوله خير علم السامع أنه خبر عن المثوبة بعد تحويلها فاستفاد ثبات الخيرية ولهذا لم يتعرض صاحب الكشاف لبيان إفادة الجملة ثبات الخيرية للمثوبة لأنه لصراحته لا يحتاج للبيان فإن كل جملة اسمية تدل على ثبات خبرها لمبتدئها .
وبهذا ظهر الترتيب لأن المقصود من الإخبار عن المثوبة بأنها خير أنها تثبت لهم لو آمنوا . وعندي وجه آخر وهو أن يقال : إن قوله لمثوبة من عند الله خير دليل الجواب بطريقة التعريض فإنه لما جعل معلقا على قوله ولو أنهم آمنوا واتقوا علم أن في هذا الخبر شيئا يهمهم ولما كانت لو امتناعية ووقع في موضع جوابها جملة خبرية تامة علم السامع أن هذا الخبر ممتنع ثبوته لمن امتنع منه شرط لو ، فيكون تنكيلا عليهم وتمليحا بهم .
وقد قيل إن لو للتمني على حد ( لو أن لنا كرة ) . والتحقيق أن لو التي للتمني هي لو الشرطية أشربت معنى التمني لأن الممتنع يتمنى إن كان محبوبا ( وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا ) واستدل على هذا بأنها إذا جاءت للتمني أجيبت جوابين جوابا منصوبا كجواب ليت وجوابا مقترنا باللام كجواب الامتناعية ، كقول المهلهل :
فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير
ويوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور
والمثوبة اسم مصدر ( أثاب ) إذا أعطى الثواب ، والثواب الجزاء الذي يعطى لخير المعطي ، ويقال : ثوب وأثوب بمعنى أثاب فالمثوبة على وزن المفعولة كالمصدوقة والمشورة والمكروهة .
وقوله " لو كانوا يعلمون " شرط ثان محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه ، وحذف مفعول " يعلمون " لدلالة لمثوبة من الله خير ، أي لو كانوا يعلمون مثوبة الله لما اشتروا السحر .
وليس بإيطاء لأن الإيطاء إنما يعاب في الشعر دون النثر لأن النثر إنما يعتد فيه بمطابقة مقتضى الحال ، وفائدة هذا التكرير التسجيل عليهم بأنهم لا يعلمون ما هو النفع الحق . تكرير اللفظة أو الجملة في فواصل القرآن