وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين
معنى شروه باعوه . يقال : شرى كما يقال : باع ، ويقال : اشترى كما يقال : ابتاع . ومثلهما رهن وارتهن ، وعاوض واعتاض ، وكرى واكترى .
والأصل في ذلك وأمثاله أن الفعل للحدث والافتعال لمطاوعة الحدث .
ومن فسر شروه باشتروه أخطأ خطأ أوقعه فيه سوء تأويل قوله : وكانوا فيه من الزاهدين . وما ادعاه بعض أهل اللغة أن شرى واشترى مترادفان في معنييهما يغلب على ظني أنه وهم إذ لا دليل يدل عليه .
[ ص: 244 ] والبخس : أصله مصدر بخسه إذا نقصه عن قيمة شيئه . وهو هنا بمعنى المبخوس كالخلق بمعنى المخلوق . وتقدم فعل البخس عند قوله - تعالى : ولا يبخس منه شيئا في سورة البقرة .
و دراهم بدل من ثمن وهي جمع درهم ، وهو المسكوك . وهو معرب عن الفارسية كما في صحاح الجوهري .
وقد أغفله الذين جمعوا ما هو معرب في القرآن كالسيوطي في الإتقان .
و معدودة كناية عن كونها قليلة لأن الشيء القليل يسهل عده فإذا كثر صار تقديره بالوزن أو الكيل . ويقال في الكناية عن الكثرة : لا يعد .
وضمائر الجمع كلها للسيارة على أصح التفاسير .
والزهادة : قلة الرغبة في حصول الشيء الذي من شأنه أن يرغب فيه ، أو قلة الرغبة في عوضه كما هنا ، أي كان السيارة غير راغبين في إغلاء ثمن يوسف - عليه السلام - . ولعل سبب ذلك قلة معرفتهم بالأسعار .
وصوغ الإخبار عن زهادتهم فيه بصيغة من الزاهدين أشد مبالغة مما لو أخبر بكانوا فيه زاهدين ؛ لأن جعلهم من فريق زاهدين ينبي بأنهم جروا في زهدهم في أمثاله على سنن أمثالهم البسطاء الذين لا يقدرون قدر نفائس الأمور .
و فيه متعلق بـ الزاهدين و " أل " حرف لتعريف الجنس ، وليست اسما موصولا خلافا لأكثر النحاة الذين يجعلون " أل " الداخلة على الأسماء المشتقة اسما موصولا ما لم يتحقق عهد وتمسكوا بعلل واهية وخالفهم الأخفش والمازني .
وتقديم المجرور على عامله للتنويه بشأن المزهود فيه ، وللتنبيه على ضعف توسمهم وبصارتهم مع الرعاية على الفاصلة .