ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين
ظاهر نظم الكلام أن الجملة من قول امرأة العزيز ، وعلى ذلك حمله الأقل من المفسرين ، وعزاه ابن عطية إلى فرقة من أهل التأويل ، ونسب إلى الجبائي ، واختاره الماوردي ، وهو في موقع العلة لما تضمنته جملة أنا راودته عن نفسه وما عطف عليها من إقرار ببراءة يوسف - عليه السلام - بما كانت رمته به ، فالإشارة بذلك إلى الإقرار المستفاد من جملة أنا راودته أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف - عليه السلام - أني لم أخنه .
واللام في ليعلم لام كي ، والفعل بعدها منصوب بـأن مضمرة ، فهو في تأويل المصدر ، وهو خبر عن اسم الإشارة .
والباء في بالغيب للملابسة أو للظرفية ، أي في غيبته ، أي لم أرمه بما يقدح فيه في مغيبه . ومحل المجرور في محل الحال من الضمير المنصوب .
والخيانة : هي تهمته بمحاولة السوء معها كذبا ؛ لأن الكذب ضد أمانة القول بالحق .
والتعريف في الغيب تعريف الجنس . تمدحت بعدم الخيانة على أبلغ وجه إذ نفت الخيانة في المغيب وهو حائل بينه وبين دفاعه عن نفسه ، وحالة [ ص: 293 ] المغيب أمكن لمزيد الخيانة أن يخون فيها من حالة الحضرة ؛ لأن الحاضر قد يتفطن لقصد الخائن فيدفع خيانته بالحجة .
و أن الله لا يهدي كيد الخائنين عطف على ليعلم وهو علة ثانية لإصداعها بالحق ، أي ولأن الله لا يهدي كيد الخائنين . والخبر مستعمل في لازم الفائدة وهو كون المتكلم عالما بمضمون الكلام ؛ لأن علة إقرارها هو علمها بأن الله لا يهدي كيد الخائنين .
ومعنى لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده . فأطلقت الهداية التي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول ، وأطلق نفيها على نفي ذلك التيسير ، أي إن سنة الله في الكون جرت على أن فنون الباطل وإن راجت أوائلها لا تلبث أن تنقشع بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
والكيد : تقدم .