nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28973_29434وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
معطوف على قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " لزيادة بيان أن المجازفة دأبهم وأن رمي المخالف لهم بأنه ضال شنشنة قديمة فيهم فهم يرمون المخالفين بالضلال لمجرد المخالفة فقديما ما
nindex.php?page=treesubj&link=29434رمت اليهود النصارى بالضلال ورمت النصارى اليهود بمثله فلا تعجبوا من حكم كل فريق منهم بأن المسلمين لا يدخلون الجنة وفي ذلك إنحاء على أهل الكتاب وتطمين لخواطر المسلمين ودفع الشبهة عن المشركين بأنهم يتخذون من
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32431_29435طعن أهل الكتاب في الإسلام حجة لأنفسهم على مناوأته وثباتا على شركهم .
والمراد من القول التصريح بالكلام الدال فهم قد قالوا هذا بالصراحة حين جاء
nindex.php?page=treesubj&link=29392وفد نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيهم أعيان دينهم من
النصارى فلما بلغ مقدمهم
[ ص: 676 ] اليهود أتوهم وهم عند النبيء - صلى الله عليه وسلم - فناظروهم في الدين وجادلوهم حتى تسابوا فكفر
اليهود بعيسى وبالإنجيل وقالوا
للنصارى ما أنتم على شيء ، فكفر وفد
نجران بموسى وبالتوراة وقالوا لليهود لستم على شيء .
وقولهم " على شيء " نكرة في سياق النفي والشيء الموجود هنا مبالغة أي ليسوا على أمر يعتد به . فالشيء المنفي هو الشيء العرفي أو باعتبار صفة محذوفة على حد قول
عباس بن مرداس :
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئا ولم أمنع
أي لم أعط شيئا نافعا مغنيا بدليل قوله ولم أمنع ، وسئل رسول الله عن الكهان فقال : ليسوا بشيء ، فالصيغة صيغة عموم والمراد بها في مجاري الكلام نفي شيء يعتد به في الغرض الجاري فيه الكلام بحسب المقامات فهي مستعملة مجازا كالعام المراد به الخصوص أي ليسوا على حظ من الحق فالمراد هنا ليست على شيء من الحق وذلك كناية عن عدم صحة ما بين أيديهم من الكتاب الشرعي فكل فريق من الفريقين رمى الآخر بأن ما عنده من الكتاب لا حظ فيه من الخير كما دل عليه قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وهم يتلون الكتاب فإن قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وهم يتلون الكتاب " جملة حالية جيء بها لمزيد
nindex.php?page=treesubj&link=32424_29434التعجب من شأنهم أن يقولوا ذلك وكل فريق منهم يتلون الكتاب وكل كتاب يتلونه مشتمل على الحق لو اتبعه أهله حق اتباعه ولا يخلو أهل كتاب حق من أن يتبعوا بعض ما في كتابهم أو جل ما فيه فلا يصدق قول غيرهم أنهم ليسوا على شيء . وجيء بالجملة الحالية لأن دلالتها على الهيئة أقوى من دلالة الحال المفردة لأن الجملة الحالية بسبب اشتمالها على نسبة خبرية تفيد أن ما كان حقه أن يكون خبرا عدل به عن الخبر لادعاء أنه معلوم اتصاف المخبر عنه به فيؤتى به في موقع الحال المفردة على اعتبار التذكير به ولفت الذهن إليه فصار حالا له . وضمير قوله " هم " عائد إلى الفريقين وقيل عائد إلى
النصارى لأنهم أقرب مذكور . والتعريف في الكتاب جعله صاحب الكشاف تعريف الجنس وهو يرمي بذلك إلى أن المقصود أنهم أهل علم كما يقال لهم أهل الكتاب في مقابلة الأميين ، وحداه إلى ذلك قوله عقبه كذلك " قال الذين لا يعلمون " فالمعنى أنهم تراجموا بالنسبة
[ ص: 677 ] إلى نهاية الضلال وهم من أهل العلم الذين لا يليق بهم المجازفة ومن حقهم الإنصاف بأن يبينوا مواقع الخطأ عند مخالفيهم . وجعل
ابن عطية التعريف للعهد وجعل المعهود التوراة أي لأنها الكتاب الذي يقرأه الفريقان ووجه التعجيب على هذا الوجه أن التوراة هي أصل للنصرانية والإنجيل ناطق بحقيتها فكيف يسوغ
للنصارى ادعاء أنها ليست بشيء كما فعلت
نصارى نجران . وأن التوراة ناطقة بمجيء رسل بعد
موسى فكيف ساغ
لليهود تكذيب رسول
النصارى .
وإذا جعل الضمير عائدا
للنصارى خاصة يحتمل أن يكون المعهود التوراة كما ذكرنا أو الإنجيل الناطق بأحقية التوراة ، وفي " يتلون " دلالة على هذا لأنه يصير التعجب مشربا بضرب من الاعتذار أعني : أنهم يقرأون دون تدبر وهذا من التهكم وإلا لقال وهم يعلمون الكتاب وبهذا يتبين أن ليست هذه الآية واردة للانتصار لأحد الفريقين أو كليهما .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وقوله " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم " أي يشبه هذا القول قول فريق آخر غير الفريقين وهؤلاء الذين لا يعلمون هم مقابل الذين يتلون الكتاب وأريد بهم مشركو العرب وهم لا يعلمون لأنهم أميون ، وإطلاق الذين لا يعلمون على المشركين وارد في القرآن من ذلك قوله الآتي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية بدليل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم يعني كذلك قال
اليهود والنصارى ، والمعنى هنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28739المشركين كذبوا الأديان كلها اليهودية والنصرانية والإسلام والمقصود من التشبيه تشويه المشبه به بأنه مشابه لقول أهل الضلال البحت .
وهذا استطراد للإنحاء على المشركين فيما قابلوا به الدعوة الإسلامية أي قالوا للمسلمين مثل مقالة أهل الكتابين بعضهم لبعض وقد حكى القرآن مقالتهم في قوله إذ قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91ما أنزل الله على بشر من شيء والتشبيه المستفاد من الكاف في " كذلك " تشبيه في الادعاء على أنهم ليسوا على شيء والتقدير مثل ذلك القول الذي قالته
اليهود والنصارى ، قال الذين لا يعلمون ولهذا يكون لفظ " مثل قولهم " تأكيدا لما أفاده كاف التشبيه وهو تأكيد يشير إلى أن المشابهة بين قول الذين لا يعلمون وبين قول
اليهود والنصارى مشابهة تامة لأنهم لما قالوا " ما أنزل الله على بشر من شيء " قد كذبوا
اليهود والنصارى والمسلمين .
[ ص: 678 ] وتقديم الجار والمجرور على متعلقه وهو قال إما لمجرد الاهتمام ببيان المماثلة وإما ليغني عن حرف العطف في الانتقال من كلام إلى كلام إيجازا بديعا لأن مفاد حرف العطف التشريك ومفاد كاف التشبيه التشريك إذ التشبيه تشريك في الصفة . ولأجل الاهتمام أو لزيادته أكد قوله " كذلك " بقوله " مثل قولهم " فهو صفة أيضا لمعمول " قالوا " المحذوف أي قالوا مقولا مثل قولهم . ولك أن تجعل " كذلك " تأكيدا لمثل قولهم وتعتبر تقديمه من تأخير والأول أظهر .
وجوز صاحب الكشاف وجماعة أن لا يكون قوله " مثل قولهم " أو قوله " كذلك " تأكيدا للآخر وأن مرجع التشبيه إلى كيفية القول ومنهجه في صدوره عن هوى ، ومرجع المماثلة إلى المماثلة في اللفظ فيكون على كلامه تكريرا في التشبيه من جهتين للدلالة على قوة التشابه .
وقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113فالله يحكم بينهم " الآية جاء بالفاء لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30532التوعد بالحكم بينهم يوم القيامة وإظهار ما أكنته ضمائرهم من الهوى والحسد متفرع عن هذه المقالات ومسبب عنها وهو خبر مراد به التوبيخ والوعيد ، والضمير المجرور بإضافة بين راجع إلى الفرق الثلاث وما " كانوا فيه يختلفون " يعم ما ذكر وغيره والجملة تذييل .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28973_29434وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى " لِزِيَادَةِ بَيَانِ أَنَّ الْمُجَازَفَةَ دَأْبُهُمْ وَأَنَّ رَمْيَ الْمُخَالِفِ لَهُمْ بِأَنَّهُ ضَالٌّ شَنْشَنَةٌ قَدِيمَةٌ فِيهِمْ فَهُمْ يَرْمُونَ الْمُخَالِفِينَ بِالضَّلَالِ لِمُجَرَّدِ الْمُخَالِفَةِ فَقَدِيمًا مَا
nindex.php?page=treesubj&link=29434رَمَتِ الْيَهُودُ النَّصَارَى بِالضَّلَالِ وَرَمَتِ النَّصَارَى الْيَهُودَ بِمِثْلِهِ فَلَا تَعْجَبُوا مِنْ حُكْمِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَفِي ذَلِكَ إِنْحَاءٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَطْمِينٍ لِخَوَاطِرِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعِ الشُّبْهَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32431_29435طَعْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْإِسْلَامِ حُجَّةً لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى مُنَاوَأَتِهِ وَثَبَاتًا عَلَى شِرْكِهِمْ .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْقَوْلِ التَّصْرِيحُ بِالْكَلَامِ الدَّالِّ فَهُمْ قَدْ قَالُوا هَذَا بِالصَّرَاحَةِ حِينَ جَاءَ
nindex.php?page=treesubj&link=29392وَفْدُ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ أَعْيَانُ دِينِهِمْ مِنَ
النَّصَارَى فَلَمَّا بَلَغَ مَقْدِمُهُمُ
[ ص: 676 ] الْيَهُودَ أَتَوْهُمْ وَهُمْ عِنْدَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَاظَرُوهُمْ فِي الدِّينِ وَجَادَلُوهُمْ حَتَّى تَسَابُّوا فَكَفَرَ
الْيَهُودُ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ وَقَالُوا
لِلنَّصَارَى مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ، فَكَفَرَ وَفْدُ
نَجْرَانَ بِمُوسَى وَبِالتَّوْرَاةِ وَقَالُوا لِلْيَهُودِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ .
وَقَوْلُهُمْ " عَلَى شَيْءٍ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالشَّيْءُ الْمَوْجُودُ هُنَا مُبَالَغَةٌ أَيْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرٍ يُعْتَدُّ بِهِ . فَالشَّيْءُ الْمَنْفِيُّ هُوَ الشَّيْءُ الْعُرْفِيُّ أَوْ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِ
عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ :
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَأِ فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعْ
أَيْ لَمْ أُعْطَ شَيْئًا نَافِعًا مُغْنِيًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَمْ أُمْنَعْ ، وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ : لَيْسُوا بِشَيْءٍ ، فَالصِّيغَةُ صِيغَةُ عُمُومٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي مَجَارِي الْكَلَامِ نَفِيُ شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْغَرَضِ الْجَارِي فِيهِ الْكَلَامُ بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا كَالْعَامِّ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ أَيْ لَيْسُوا عَلَى حَظٍّ مِنَ الْحَقِّ فَالْمُرَادُ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكِتَابِ الشَّرْعِيِّ فَكُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ رَمَى الْآخَرَ بِأَنَّ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْكِتَابِ لَا حَظَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ فَإِنَّ قَوْلَهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ " جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ جِيءَ بِهَا لِمَزِيدِ
nindex.php?page=treesubj&link=32424_29434التَّعَجُّبِ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ وَكُلُّ كِتَابٍ يَتْلُونَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَقِّ لَوِ اتَّبَعَهُ أَهْلُهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ وَلَا يَخْلُو أَهْلُ كِتَابِ حَقٍّ مِنْ أَنْ يَتَّبِعُوا بَعْضَ مَا فِي كِتَابِهِمْ أَوْ جُلَّ مَا فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُ غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ . وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْهَيْئَةِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ الْمُفْرَدَةِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْحَالِيَّةَ بِسَبَبِ اشْتِمَالِهَا عَلَى نِسْبَةٍ خَبَرِيَّةٍ تُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عُدِلَ بِهِ عَنِ الْخَبَرِ لِادِّعَاءِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ اتِّصَافُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِهِ فَيُؤْتَى بِهِ فِي مَوْقِعِ الْحَالِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّذْكِيرِ بِهِ وَلَفْتِ الذِّهْنِ إِلَيْهِ فَصَارَ حَالًا لَهُ . وَضَمِيرُ قَوْلِهِ " هُمْ " عَائِدٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ وَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى
النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ . وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكِتَابِ جَعَلَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ وَهُوَ يَرْمِي بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُمْ أَهْلُ عِلْمٍ كَمَا يُقَالُ لَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي مُقَابَلَةِ الْأُمِّيِّينَ ، وَحَدَاهُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَقِبَهُ كَذَلِكَ " قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ تَرَاجَمُوا بِالنِّسْبَةِ
[ ص: 677 ] إِلَى نِهَايَةِ الضَّلَالِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ لَا يَلِيقُ بِهِمُ الْمُجَازَفَةُ وَمِنْ حَقِّهِمُ الْإِنْصَافُ بِأَنْ يُبَيِّنُوا مَوَاقِعَ الْخَطَأِ عِنْدَ مُخَالِفِيهِمْ . وَجَعَلَ
ابْنُ عَطِيَّةَ التَّعْرِيفَ لِلْعَهْدِ وَجَعَلَ الْمَعْهُودَ التَّوْرَاةَ أَيْ لِأَنَّهَا الْكِتَابُ الَّذِي يَقْرَأهُ الْفَرِيقَانِ وَوَجْهُ التَّعْجِيبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ التَّوْرَاةَ هِيَ أَصْلٌ لِلنَّصْرَانِيَّةِ وَالْإِنْجِيلَ نَاطِقٌ بِحَقِّيَّتِهَا فَكَيْفَ يَسُوغُ
لِلنَّصَارَى ادِّعَاءُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ كَمَا فَعَلَتْ
نَصَارَى نَجْرَانَ . وَأَنَّ التَّوْرَاةَ نَاطِقَةٌ بِمَجِيءِ رُسُلٍ بَعْدَ
مُوسَى فَكَيْفَ سَاغَ
لِلْيَهُودِ تَكْذِيبُ رَسُولِ
النَّصَارَى .
وَإِذَا جُعِلَ الضَّمِيرُ عَائِدًا
لِلنَّصَارَى خَاصَّةً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْهُودُ التَّوْرَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا أَوِ الْإِنْجِيلَ النَّاطِقَ بِأَحَقِّيَّةِ التَّوْرَاةِ ، وَفِي " يَتْلُونَ " دَلَالَةٌ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّعَجُّبُ مُشْرَبًا بِضَرْبٍ مِنَ الِاعْتِذَارِ أَعْنِي : أَنَّهُمْ يَقْرَأُونَ دُونَ تَدَبُّرٍ وَهَذَا مِنَ التَّهَكُّمِ وَإِلَّا لَقَالَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَارِدَةً لِلِانْتِصَارِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وَقَوْلُهُ " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ " أَيْ يُشْبِهُ هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ فَرِيقٍ آخَرَ غَيْرَ الْفَرِيقَيْنِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ هُمْ مُقَابِلُ الَّذِينَ يَتْلُونَ الْكِتَابَ وَأُرِيدَ بِهِمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ ، وَإِطْلَاقُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ يَعْنِي كَذَلِكَ قَالَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28739الْمُشْرِكِينَ كَذَّبُوا الْأَدْيَانَ كُلَّهَا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّشْبِيهِ تَشْوِيهُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِأَنَّهُ مُشَابِهٌ لِقَوْلِ أَهْلِ الضَّلَالِ الْبَحْتِ .
وَهَذَا اسْتِطْرَادٌ لِلْإِنْحَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا قَابَلُوا بِهِ الدَّعْوَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ أَيْ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ مِثْلَ مَقَالَةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَقَدْ حَكَى الْقُرْآنُ مَقَالَتَهُمْ فِي قَوْلِهِ إِذْ قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وَالتَّشْبِيهُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْكَافِ فِي " كَذَلِكَ " تَشْبِيهٌ فِي الِادِّعَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَالتَّقْدِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَتْهُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَلِهَذَا يَكُونُ لَفْظُ " مِثْلَ قَوْلِهِمْ " تَأْكِيدًا لِمَا أَفَادَهُ كَافُ التَّشْبِيهِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ قَوْلِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَبَيْنَ قَوْلِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُشَابَهَةٌ تَامَّةٌ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ " قَدْ كَذَّبُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ .
[ ص: 678 ] وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ قَالَ إِمَّا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِبَيَانِ الْمُمَاثِلَةِ وَإِمَّا لِيُغْنِيَ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إِلَى كَلَامٍ إِيجَازًا بَدِيعًا لِأَنَّ مُفَادَ حَرْفِ الْعَطْفِ التَّشْرِيكُ وَمُفَادَ كَافِ التَّشْبِيهِ التَّشْرِيكُ إِذِ التَّشْبِيهُ تَشْرِيكٌ فِي الصِّفَةِ . وَلِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ أَوْ لِزِيَادَتِهِ أَكَّدَ قَوْلَهُ " كَذَلِكَ " بِقَوْلِهِ " مِثْلَ قَوْلِهِمْ " فَهُوَ صِفَةٌ أَيْضًا لِمَعْمُولِ " قَالُوا " الْمَحْذُوفِ أَيْ قَالُوا مَقُولًا مِثْلَ قَوْلِهِمْ . وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ " كَذَلِكَ " تَأْكِيدًا لِمِثْلِ قَوْلِهِمْ وَتَعْتَبِرَ تَقْدِيمَهُ مِنْ تَأْخِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَجَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَجَمَاعَةٌ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ " مِثْلَ قَوْلِهِمْ " أَوْ قَوْلُهُ " كَذَلِكَ " تَأْكِيدًا لِلْآخَرِ وَأَنَّ مَرْجِعَ التَّشْبِيهِ إِلَى كَيْفِيَّةِ الْقَوْلِ وَمَنْهَجِهِ فِي صُدُورِهِ عَنْ هَوًى ، وَمَرْجِعَ الْمُمَاثَلَةِ إِلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي اللَّفْظِ فَيَكُونُ عَلَى كَلَامِهِ تَكْرِيرًا فِي التَّشْبِيهِ مِنْ جِهَتَيْنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ التَّشَابُهِ .
وَقَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ " الْآيَةَ جَاءَ بِالْفَاءِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30532التَّوَعُّدَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِظْهَارُ مَا أَكَنَّتْهُ ضَمَائِرهُمْ مِنَ الْهَوَى وَالْحَسَدِ مُتَفَرِّعٌ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَمُسَبَّبٌ عَنْهَا وَهُوَ خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ التَّوْبِيخُ وَالْوَعِيدُ ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِإِضَافَةِ بَيْنَ رَاجِعٌ إِلَى الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَمَا " كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " يَعُمُّ مَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ وَالْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ .