nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120nindex.php?page=treesubj&link=28973_28908_32424_32423_32431ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير
عطف على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=119ولا تسأل عن أصحاب الجحيم أو على إنا أرسلناك وقد جاء هذا الكلام المؤيس من إيمانهم بعد أن قدم قبله التأنيس والتسلية على نحو مجيء العتاب بعد تقديم العفو في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم وهذا من كرامة الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 693 ] والنفي بلن مبالغة في التأنيس لأنها لنفي المستقبل وتأييده .
nindex.php?page=treesubj&link=28631والملة بكسر الميم الدين والشريعة وهي مجموع عقائد وأعمال يلتزمها طائفة من الناس يتفقون عليها ، وتكون جامعة لهم كطريقة يتبعونها ، ويحتمل أنها مشتقة من أمل الكتاب فسميت الشريعة ملة لأن الرسول أو واضع الدين يعلمها للناس ويمللها عليهم كما سميت دينا باعتبار قبول الأمة لها وطاعتهم وانقيادهم . ومعنى الغاية في
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120حتى تتبع ملتهم الكناية عن اليأس من اتباع
اليهود والنصارى لشريعة الإسلام يومئذ لأنهم إذا كانوا لا يرضون إلا باتباعه ملتهم فهم لا يتبعون ملته ، ولما كان اتباع النبيء ملتهم مستحيلا كان رضاهم عنه كذلك على حد حتى يلج الجمل في سم الخياط وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد والتصريح بلا النافية بعد حرف العطف في قوله ولا النصارى للتنصيص على استقلالهم بالنفي ، وعم الاقتناع باتباع حرف العطف لأنهم كانوا يظن بهم خلاف ذلك ؛ لإظهارهم شيئا من المودة للمسلمين كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى وقد تضمنت هذه الآية أنهم لا يؤمنون بالنبيء لأنه غير متبع ملتهم وأنهم لا يصدقون القرآن لأنه جاء بنسخ كتابيهم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120قل إن هدى الله هو الهدى أمر بالجواب عما تضمنه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120ولن ترضى من خلاصة أقوال لهم يقتضي مضمونها أنهم لا يرضيهم شيء مما يدعوهم النبيء إليه إلا أن يتبع ملتهم وأنهم يقولون : إن ملتهم هدى فلا ضير عليه إن اتبعها ، مثل قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وغير ذلك من التلون في الإعراض عن الدعوة ولذلك جيء في جوابهم بما هو الأسلوب في المجاوبة من فعل القول بدون حرف العطف .
ويجوز أن يكونوا قد قالوا ما تضمنته الآية من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120حتى تتبع ملتهم . و هدى الله ما يقدره للشخص من التوفيق أي قل لهم : لا أملك لكم هدى إلا أن يهديكم الله ، فالقصر حقيقي . ويجوز أن يكون المراد بهدى الله الذي أنزله إلي هو الهدى يعني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29613_30542القرآن هو الهدى إبطالا لغرورهم بأن ما هم عليه من الملة هو الهدى ، وأن ما خالفه ضلال ، والمعنى أن القرآن هو الهدى وما أنتم عليه ليس من الهدى لأن أكثره من الباطل . فإضافة الهدى إلى الله تشريف ، والقصر إضافي . وفيه تعريض بأن ما هم عليه يومئذ شيء حرفوه ووضعوه . فيكون القصر إما حقيقيا ادعائيا بأن يراد هو الهدى الكامل في الهداية فهدى غيره من الكتب السماوية
[ ص: 694 ] بالنسبة إلى هدى القرآن كلا هدى لأن هدى القرآن أعم وأكمل فلا ينافي إثبات الهداية لكتابهم كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وإما قصرا إضافيا أي هو الهدى دون ما أنتم عليه من ملة مبدلة مشوبة بضلالات وبذلك أيضا لا ينتفي الهدى عن كثير من التعاليم والنصايح الصالحة الصادرة عن الحكماء وأهل العقول الراجحة والتجربة لكنه هدى ناقص .
وقوله هو الهدى الضمير ضمير منفصل . والتعريف في الهدى تعريف الجنس الدال على الاستغراق ففيه طريقان من طرق الحصر هما : ضمير الفصل وتعريف الجزأين وفي الجمع بينهما إفادة تحقيق معنى القصر وتأكيده للعناية به فأيهما اعتبرته طريق قصر كان الآخر تأكيدا للقصر وللخبر أيضا .
والتوكيد بأن لتحقيق الخبر وتحقيق نسبته وإبطال تردد المتردد لأن القصر الإضافي لما كان المقصود منه رد اعتقاد المخاطب قد لا يتفطن المخاطب إلى ما يقتضيه من التأكيد فزيد هنا مؤكد آخر وهو حرف " إن " اهتماما بتأكيد هذا الحكم . فقد اجتمع في هذه الجملة عدة مؤكدات هي : حرف إن . والقصر ، إذ القصر تأكيد على تأكيد كما في المفتاح فهو في قوة مؤكدين ، مع تأكيد القصر بضمير الفصل وهي تنحل إلى أربعة مؤكدات لأن القصر بمنزلة تأكيدين وقد انضم إليهما تأكيد القصر بضمير الفصل وتأكيد الجملة بحرف إن .
ولعل الآية تشير إلى أن استقبال النبيء - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة إلى القبلة التي يستقبلها
اليهود لقطع معذرة
اليهود كما سيأتي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه فأعلم رسوله بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى بأن ذلك لا يلين من تصلب
اليهود في عنادهم فتكون إيماء إلى تمهيد نسخ استقبال
بيت المقدس .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم اللام موطئة للقسم وذلك توكيد للخبر وتحقيق له . وعبر عن طريقتهم هنالك بالملة نظرا لاعتقادهم وشهرة ذلك عند العرب ، وعبر عنها هنا بالأهواء بعد أن مهد له بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120إن هدى الله هو الهدى فإن الهوى
[ ص: 695 ] رأي ناشئ عن شهوة لا عن دليل ، ولهذا لم يؤت بالضمير الراجع للملة وعبر عنها بالاسم الظاهر فشملت أهواؤهم التكذيب بالنبيء وبالقرآن واعتقادهم أن ملتهم لا ينقضها شرع آخر .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120ما لك من الله من ولي ولا نصير تحذير لكل من تلقى الإسلام أن لا يتبع بعد الإسلام أهواء الأمم الأخرى ، جاء على طريقة تحذير النبيء - صلى الله عليه وسلم - مثل لئن أشركت ليحبطن عملك وهو جواب القسم ودليل جواب الشرط لأن اللام موطئة للقسم فالجواب لها . وجيء بإن الشرطية التي تأتي في مواقع عدم القطع بوقوع شرطها لأن هذا فرض ضعيف في شأن النبيء والمسلمين . والولي القريب والحليف .
والنصير كل من يعين أحدا على من يريد به ضرا وكلاهما فعيل بمعنى فاعل ، و " من " في قوله " من الله " متعلقة بولي لتضمينه معنى مانع من عقابه ويقدر مثله بعد " ولا نصير " أي نصير من الله . و " من " في قوله " من ولي " مؤكدة للنفي . وعطف النصير على الولي احتراس لأن نفي الولي لا يقتضي نفي كل نصير إذ لا يكون لأحد ولي لكونه دخيلا في قبيلة ويكون أنصاره من جيرته . وكان القصد من نفي الولاية التعريض بهم في اعتقادهم أنهم أبناء الله وأحباؤه فنفى ذلك عنهم حيث لم يتبعوا دعوة الإسلام ثم نفى الأعم منه وهذه نكتة عدم الاقتصار على نفي الأعم .
وقد اشتملت جملة ولئن اتبعت أهواءهم إلى آخرها على
nindex.php?page=treesubj&link=32424تحذير من الطمع في استدناء اليهود أو النصارى بشيء من استرضائهم طمعا في إسلامهم بتألف قلوبهم فأكد ذلك التحذير بعشرة مؤكدات وهي القسم المدلول عليه باللام الموطئة للقسم . وتأكيد جملة الجزاء بإن . وبلام الابتداء في خبرها . واسمية جملة الجزاء وهي "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120ما لك من الله من ولي ولا نصير " . وتأكيد النفي بمن في قوله " من ولي " والإجمال ثم التفصيل بذكر اسم الموصول وتبيينه بقوله " من العلم " . وجعل الذي جاء أي " أنزل إليه " هو العلم كله لعدم الاعتداد بغيره لنقصانه . وتأكيد " من ولي " بعطف " ولا نصير " الذي هو آيل إلى معناه وإن اختلف مفهومه ، فهو كالتأكيد بالمرادف .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120nindex.php?page=treesubj&link=28973_28908_32424_32423_32431وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=119وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ أَوْ عَلَى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ الْمُؤَيِّسُ مِنْ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ قَبْلَهُ التَّأْنِيسَ وَالتَّسْلِيَةَ عَلَى نَحْوِ مَجِيءِ الْعِتَابِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْعَفْوِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
[ ص: 693 ] وَالنَّفْيُ بِلَنْ مُبَالَغَةٌ فِي التَّأْنِيسِ لِأَنَّهَا لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَتَأْيِيدِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28631وَالْمِلَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ مَجْمُوعُ عَقَائِدَ وَأَعْمَالٍ يَلْتَزِمُهَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهَا ، وَتَكُونُ جَامِعَةً لَهُمْ كَطَرِيقَةٍ يَتَّبِعُونَهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَمَلَّ الْكِتَابَ فَسُمِّيَتِ الشَّرِيعَةُ مِلَّةً لِأَنَّ الرَّسُولَ أَوْ وَاضِعَ الدِّينِ يُعْلِمُهَا لِلنَّاسِ وَيُمْلِلُهَا عَلَيْهِمْ كَمَا سُمِّيَتْ دِينًا بِاعْتِبَارِ قَبُولِ الْأُمَّةِ لَهَا وَطَاعَتِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ . وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الْكِنَايَةُ عَنِ الْيَأْسِ مِنِ اتِّبَاعِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ مِلَّتَهُمْ فَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ مِلَّتَهُ ، وَلَمَّا كَانَ اتِّبَاعُ النَّبِيءِ مِلَّتَهُمْ مُسْتَحِيلًا كَانَ رِضَاهُمْ عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى حَدِّ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَالتَّصْرِيحُ بِلَا النَّافِيَةِ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ وَلَا النَّصَارَى لِلتَّنْصِيصِ عَلَى اسْتِقْلَالِهِمْ بِالنَّفْي ، وَعَمَّ الِاقْتِنَاعُ بِاتِّبَاعِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ ؛ لِإِظْهَارِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْمَوَدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّبِعٍ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ كِتَابَيْهِمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى أَمْرٌ بِالْجَوَابِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120وَلَنْ تَرْضَى مِنْ خُلَاصَةِ أَقْوَالٍ لَهُمْ يَقْتَضِي مَضْمُونُهَا أَنَّهُمْ لَا يُرْضِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَدْعُوهُمُ النَّبِيءُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ مِلَّتَهُمْ هُدًى فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ إِنِ اتَّبَعَهَا ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّلَوُّنِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي جَوَابِهِمْ بِمَا هُوَ الْأُسْلُوبُ فِي الْمُجَاوَبَةِ مِنْ فِعْلِ الْقَوْلِ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَالُوا مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ . وَ هُدَى اللَّهِ مَا يُقَدِّرُهُ لِلشَّخْصِ مِنَ التَّوْفِيقِ أَيْ قُلْ لَهُمْ : لَا أَمْلِكُ لَكُمْ هُدًى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَكُمُ اللَّهُ ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهُدَى اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيَّ هُوَ الْهُدَى يَعْنِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29613_30542الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى إِبْطَالًا لِغُرُورِهِمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ هُوَ الْهُدَى ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ ضَلَالٌ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنَ الْهُدَى لِأَنَّ أَكْثَرَهُ مِنَ الْبَاطِلِ . فَإِضَافَةُ الْهُدَى إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفٌ ، وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ حَرَّفُوهُ وَوَضَعُوهُ . فَيَكُونُ الْقَصْرُ إِمَّا حَقِيقِيًّا ادِّعَائِيًّا بِأَنْ يُرَادَ هُوَ الْهُدَى الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ فَهُدَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ
[ ص: 694 ] بِالنِّسْبَةِ إِلَى هُدَى الْقُرْآنِ كُلًّا هُدًى لِأَنَّ هُدَى الْقُرْآنِ أَعَمُّ وَأَكْمَلُ فَلَا يُنَافِي إِثْبَاتَ الْهِدَايَةِ لِكِتَابِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَإِمَّا قَصْرًا إِضَافِيًّا أَيْ هُوَ الْهُدَى دُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مِلَّةٍ مُبْدَلَةٍ مَشُوبَةٍ بِضَلَالَاتٍ وَبِذَلِكَ أَيْضًا لَا يَنْتَفِي الْهُدَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ التَّعَالِيمِ وَالنَّصَايِحِ الصَّالِحَةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَأَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّجْرِبَةِ لَكِنَّهُ هُدًى نَاقِصٌ .
وَقَوْلُهُ هُوَ الْهُدَى الضَّمِيرُ ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ . وَالتَّعْرِيفُ فِي الْهُدَى تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الدَّالِّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ هُمَا : ضَمِيرُ الْفَصْلِ وَتَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِفَادَةُ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْقَصْرِ وَتَأْكِيدِهِ لِلْعِنَايَةِ بِهِ فَأَيُّهُمَا اعْتَبَرْتَهُ طَرِيقَ قَصْرٍ كَانَ الْآخَرُ تَأْكِيدًا لِلْقَصْرِ وَلِلْخَبَرِ أَيْضًا .
وَالتَّوْكِيدُ بِأَنَّ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَتَحْقِيقِ نِسْبَتِهِ وَإِبْطَالِ تَرَدُّدِ الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ الْقَصْرَ الْإِضَافِيَّ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ رَدَّ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ قَدْ لَا يَتَفَطَّنُ الْمُخَاطَبُ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ فَزِيدَ هُنَا مُؤَكَّدٌ آخَرُ وَهُوَ حَرْفُ " إِنَّ " اهْتِمَامًا بِتَأْكِيدِ هَذَا الْحُكْمِ . فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِدَّةُ مُؤَكِّدَاتٍ هِيَ : حَرْفُ إِنَّ . وَالْقَصْرُ ، إِذِ الْقَصْرُ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ مُؤَكِّدَيْنِ ، مَعَ تَأْكِيدِ الْقَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَهِيَ تَنْحَلُّ إِلَى أَرْبَعَةِ مُؤَكِّدَاتٍ لِأَنَّ الْقَصْرَ بِمَنْزِلَةِ تَأْكِيدَيْنِ وَقَدِ انْضَمَّ إِلَيْهِمَا تَأْكِيدُ الْقَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ إِنَّ .
وَلَعَلَّ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا
الْيَهُودُ لِقَطْعِ مَعْذِرَةِ
الْيَهُودِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَأَعْلَمَ رَسُولَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُلِينُ مِنْ تَصَلُّبِ
الْيَهُودِ فِي عِنَادِهِمْ فَتَكُونُ إِيمَاءً إِلَى تَمْهِيدِ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ وَذَلِكَ تَوْكِيدٌ لِلْخَبَرِ وَتَحْقِيقٌ لَهُ . وَعَبَّرَ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ هُنَالِكَ بِالْمِلَّةِ نَظَرًا لِاعْتِقَادِهِمْ وَشُهْرَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَعَبَّرَ عَنْهَا هُنَا بِالْأَهْوَاءِ بَعْدَ أَنْ مَهَّدَ لَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى فَإِنَّ الْهَوَى
[ ص: 695 ] رَأَيٌ نَاشِئٌ عَنْ شَهْوَةٍ لَا عَنْ دَلِيلٍ ، وَلِهَذَا لَمْ يُؤْتَ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلْمِلَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ فَشَمِلَتْ أَهْوَاؤُهُمُ التَّكْذِيبَ بِالنَّبِيءِ وَبِالْقُرْآنِ وَاعْتِقَادَهُمْ أَنَّ مِلَّتَهُمْ لَا يَنْقُضُهَا شَرْعٌ آخَرُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ تَحْذِيرٌ لِكُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْإِسْلَامَ أَنْ لَا يَتَّبِعَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَهْوَاءَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى ، جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ تَحْذِيرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَدَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ اللَّامَ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ فَالْجَوَابُ لَهَا . وَجِيءَ بِإِنِ الشَّرْطِيَّةِ الَّتِي تَأْتِي فِي مَوَاقِعِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِوُقُوعِ شَرْطِهَا لِأَنَّ هَذَا فَرْضٌ ضَعِيفٌ فِي شَأْنِ النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ . وَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ وَالْحَلِيفُ .
وَالنَّصِيرُ كُلُّ مَنْ يُعِينُ أَحَدًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ بِهِ ضُرَّا وَكِلَاهُمَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، وَ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " مِنَ اللَّهِ " مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيٍّ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى مَانِعٍ مِنْ عِقَابِهِ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ بَعْدَ " وَلَا نَصِيرٍ " أَيْ نَصِيرٌ مِنَ اللَّهِ . وَ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " مِنْ وَلِيٍّ " مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ . وَعَطْفُ النَّصِيرِ عَلَى الْوَلِيِّ احْتِرَاسٌ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلِيِّ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ نَصِيرٍ إِذْ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ وَلِيٌّ لِكَوْنِهِ دَخِيلًا فِي قَبِيلَةٍ وَيَكُونُ أَنْصَارُهُ مِنْ جِيرَتِهِ . وَكَانَ الْقَصْدُ مِنْ نَفْيِ الْوِلَايَةِ التَّعْرِيضَ بِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فَنَفَى ذَلِكَ عَنْهُمْ حَيْثُ لَمْ يَتَّبِعُوا دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَفَى الْأَعَمَّ مِنْهُ وَهَذِهِ نُكْتَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى نَفْيِ الْأَعَمِّ .
وَقَدِ اشْتَمَلَتْ جُمْلَةُ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ إِلَى آخِرِهَا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32424تَحْذِيرٍ مِنَ الطَّمَعِ فِي اسْتِدْنَاءِ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى بِشَيْءٍ مِنَ اسْتِرْضَائِهِمْ طَمَعًا فِي إِسْلَامِهِمْ بِتَأَلُّفِ قُلُوبِهِمْ فَأَكَّدَ ذَلِكَ التَّحْذِيرَ بِعَشَرَةِ مُؤَكِّدَاتٍ وَهِيَ الْقَسَمُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ . وَتَأْكِيدُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ بِإِنَّ . وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِهَا . وَاسْمِيَّةُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ وَهِيَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=120مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " . وَتَأْكِيدُ النَّفْيِ بِمِنْ فِي قَوْلِهِ " مِنْ وَلِيٍّ " وَالْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ اسْمِ الْمَوْصُولِ وَتَبْيِينِهِ بِقَوْلِهِ " مِنَ الْعِلْمِ " . وَجَعْلُ الَّذِي جَاءَ أَيْ " أُنْزِلَ إِلَيْهِ " هُوَ الْعِلْمُ كُلُّهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِغَيْرِهِ لِنُقْصَانِهِ . وَتَأْكِيدُ " مِنْ وَلِيٍّ " بِعَطْفِ " وَلَا نَصِيَرٍ " الَّذِي هُوَ آيِلٌ إِلَى مَعْنَاهُ وَإِنِ اخْتَلَفَ مَفْهُومُهُ ، فَهُوَ كَالتَّأْكِيدِ بِالْمُرَادِفِ .