ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين
استئناف ابتدائي وهو مفتتح الغرض وما قبله كالتنبيه والإنذار .
و " ربما " مركبة من ( رب ) ، وهو حرف يدل على تنكير مدخوله ويجر ويختص بالأسماء ، وهو بتخفيف الباء وتشديدها في جميع الأحوال ، وفيها عدة لغات .
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر بتخفيف الباء ، وقرأ الباقون بتشديدها .
واقترنت بها ( ما ) الكافة لـ ( رب ) عن العمل ، ودخول ( ما ) بعد ( رب ) يكف عملها غالبا ، وبذلك يصح دخولها على الأفعال ، فإذا دخلت على الفعل فالغالب أن يراد بها التقليل .
[ ص: 11 ] والأكثر أن يكون فعلا ماضيا ، وقد يكون مضارعا للدلالة على الاستقبال كما هنا ، ولا حاجة إلى تأويله بالماضي في التحقق .
ومن النحويين من أوجب دخولها على الماضي ، وتأول نحو الآية بأنه منزل منزلة الماضي لتحققه ، ومعنى الاستقبال هنا واضح ; لأن الكفار لم يودوا أن يكونوا مسلمين قبل ظهور قوة الإسلام من وقت الهجرة .
والكلام خبر مستعمل في التهديد والتهويل في عدم اتباعهم دين الإسلام والمعنى : قد يود الذين كفروا لو كانوا أسلموا .
والتقليل هنا مستعمل في التهكم والتخويف ، أي : احذروا ودادتكم أن تكونوا مسلمين ، فلعلها أن تقع نادرا كما يقول العرب في التوبيخ : لعلك ستندم على فعلك ، وهم لا يشكون في تندمه ، وإنما يريدون أنه لو كان الندم مشكوكا فيه لكان حقا عليك أن تفعل ما قد تندم على التفريط فيه لكي لا تندم ; لأن العاقل يتحرز من الضر المظنون كما يتحرز من المتيقن .
والمعنى أنهم قد يودون أن يكونوا أسلموا ولكن بعد الفوات .
والإتيان بفعل الكون الماضي للدلالة على أنهم يودون الإسلام بعد مضي وقت التمكن من إيقاعه ، وذلك عندما يقتلون بأيدي المسلمين ، وعند حضور يوم الجزاء ، وقد ود المشركون ذلك غير مرة في الحياة الدنيا حين شاهدوا نصر المسلمين .
وعن : ود كفار قريش ذلك يوم ابن مسعود بدر حين رأوا نصر المسلمين ، ويتمنون ذلك في الآخرة حين يساقون إلى النار لكفرهم ، قال تعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، وكذلك إذا أخرج عصاة المسلمين من النار ود الذين كفروا في النار لو كانوا مسلمين ، على أنهم قد ودوا ذلك غير مرة وكتموه في نفوسهم عنادا وكفرا ; قال تعالى [ ص: 12 ] ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ، أي : فلا يصرحون به .
و ( لو ) في لو كانوا مسلمين مستعملة في التمني ;لأن أصلها الشرطية ، إذ هي حرف امتناع لامتناع ، فهي مناسبة لمعنى التمني الذي هو طلب الأمر الممتنع الحصول ، فإذا وقعت بعد ما يدل على التمني استعملت في ذلك كأنها على تقدير قول محذوف يقوله المتمني ، ولما حذف فعل القول عدل في حكاية المقول إلى حكايته بالمعنى . فأصل لو كانوا مسلمين لو كنا مسلمين .
والتزم حذف جواب ( لو ) اكتفاء بدلالة المقام عليه ، ثم شاع حذف القول ، فأفادت ( لو ) معنى المصدرية فصار المعنى : يود الذين كفروا كونهم مسلمين ، ولذلك عدوها من حروف المصدرية وإنما المصدر معنى عارض في الكلام ، وليس مدلولها بالوضع .