إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
استئناف ابتدائي لإبطال جزء من كلامهم المستهزئين به ، إذ قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ، بعد أن عجل كشف شبهتهم في قولهم لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين .
جاء نشر الجوابين على عكس لف المقالين اهتماما بالابتداء برد المقال الثاني بما فيه من الشبهة بالتعجيز والإفحام ، ثم ثني العنان إلى رد تعريضهم بالاستهزاء وسؤال رؤية الملائكة .
وكان هذا الجواب من نوع القول بالموجب بتقرير إنزال الذكر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجاراة لظاهر كلامهم .
والمقصود الرد عليهم في استهزائهم ، فأكد الخبر بـ ( إنا ) ، وضمير الفصل مع موافقته لما في الواقع كقوله قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .
[ ص: 21 ] ثم زاد ذلك ارتقاء ونكاية لهم ، بأن منزل الذكر هو حافظه من كيد الأعداء ; فجملة وإنا له لحافظون معترضة ، والواو اعتراضية .
والضمير المجرور باللام عائد إلى الذكر ، واللام لتقوية عمل العامل لضعفه بالتأخير عن معموله .
وشمل حفظه الحفظ من التلاشي ، والحفظ من الزيادة والنقصان فيه ، بأن يسر تواتره وأسباب ذلك ، وسلمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، فاستقر بين الأمة بمسمع من النبيء - صلى الله عليه وسلم - وصار حفاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر .
وقد حكى عياض في المدارك : أن القاضي سئل عن إسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البصري ، فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال : السر في تطرق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له بما استحفظوا من كتاب الله - وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى فقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال أبو الحسن بن المنتاب ذكرت هذا الكلام للمحاملي فقال لي : لا أحسن من هذا الكلام .
[ ص: 22 ] وفي تفسير القرطبي في خبر رواه عن : أنه ذكر قصة إسلام رجل يهودي في زمن يحيى بن أكثم وحدث بها المأمون ، فقال سفيان بن عيينة سفيان : قال الله في التوراة والإنجيل بما استحفظوا من كتاب الله فجعل حفظه إليهم فضاع ، وقال عز وجل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع اهـ ، ولعل هذا من توارد الخواطر .
وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم ، وينتشر القرآن ، ويبقى على مر الأزمان ، وهذا من التحدي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف ، قال تعالى القرآن منزل من عند الله آية على صدق الرسول أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .