[ ص: 40 ] ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم
لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء بكسر الهمزة يذكر بالأحياء بفتحها ، وكانت الإماتة تذكر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالإحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة ، وعلم الأمم الحاضرة . فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة ، فالتقدم فيه بمعنى المضي ، وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي .
والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب ، ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس ; لأن فعله رباعي ، وقد تقدم عند قوله تعالى لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون في سورة الأعراف .
وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق في سبب نزول هذه الآية ، وهو خبر واه لا يلاقي انتظام الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة . جعفر بن سليمان
وجملة وإن ربك هو يحشرهم نتيجة هذه الأدلة من قوله وإنا لنحن نحيي ونميت فإن الذي يحيي الحياة الأولى قادر على الحياة الثانية بالأولى ، والذي قدر الموت ما قدره عبثا بعد أن أوجد الموجودات إلا لتستقبلوا حياة أبدية ، ولولا ذلك لقدر الدوام على الحياة الأولى ، قال تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا .
وللإشارة إلى هذا المعنى من حكمة الإحياء والإماتة أتبعه بقوله إنه حكيم عليم تعليلا لجملة وإن ربك هو يحشرهم ; لأن شأن ( إن ) إذا جاءت في غير معنى الرد على المنكر أن تفيد معنى التعليل والربط بما قبلها .
[ ص: 41 ] والحكيم : الموصوف بالحكمة ، وتقدم عند قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء وعند قوله تعالى فاعلموا أن الله عزيز حكيم في سورة البقرة .
و العليم الموصوف بالعلم العام ، أي : المحيط ، وتقدم عند قوله تعالى وليعلم الله الذين آمنوا في سورة آل عمران .
وقد أكدت جملة وإن ربك هو يحشرهم بحرف التوكيد وبضمير الفصل لرد ، وقد أسند الحشر إلى الله بعنوان كونه رب إنكارهم الشديد للحشر محمد - صلى الله عليه وسلم - ; تنويها بشأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - ; لأنهم كذبوه في الخبر عن البعث وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة أي : فكيف ظنك بجزائه مكذبيك إذا حشرهم .