ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون : جمعت قصص هؤلاء الأمم الثلاث قوم لوط ، وأصحاب الأيكة ، وأصحاب الحجر في نسق ، لتماثل حال العذاب الذي سلط عليها وهو عذاب الصيحة والرجفة والصاعقة .
وأصحاب الحجر هم ثمود كانوا ينزلون الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم ، والحجر : المكان المحجور ، أي الممنوع من الناس بسبب اختصاص [ ص: 73 ] به ، أو اشتق من الحجارة ; لأنهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتا محكما ، وقد جعلت طبقات وفي وسطها بئر عظيمة وبئار كثيرة .
والحجر هو المعروف بوادي القرى وهو بين المدينة والشام ، وهو المعروف اليوم باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك ؟ .
وأما حجر اليمامة مدينة بني حنيفة فهي بفتح الحاء وهي في بلاد نجد وتسمى العروض وهي اليوم من بلاد البحرين .
وقد توهم بعض المستشرقين من الإفرنج أن البيوت المنحوتة في ذلك الجبل كانت قبورا ، وتعلقوا بحجج وهمية ، ومما يفند أقوالهم خلو تلك الكهوف عن أجساد آدمية ، وإذا كانت تلك قبورا فأين كانت منازل الأحياء ؟ .
والظاهر ثمود لما أخذتهم الصيحة كانوا منتشرين في خارج البيوت لقوله تعالى أن فأخذتهم الصيحة مصبحين ، وقد وجدت في مداخل تلك البيوت نقر صغيرة تدل على أنها مجعولة لوصد أبواب المداخل في الليل .
وتعريف المرسلين للجنس ، فيصدق بالواحد ، إذ المراد أنهم كذبوا صالحا - عليه السلام - فهو كقوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين ، وقد تقدم ، وكذلك جمع الآيات في قوله ( آياتنا ) مراد به الجنس ، وهي آية الناقة ، أو أريد أنها آية تشتمل على آيات في كيفية خروجها من صخرة ، وحياتها ، ورعيها ، وشربها . وقد روي أنها خرج معها فصيلها ، فهما آيتان .
وجملة وكانوا ينحتون معترضة ، والنحت : بري الحجر أو العود من وسطه أو من جوانبه .
و ( من الجبال ) تبعيض متعلق بـ ( ينحتون ) . والمعنى من صخر الجبال ، لما دل عليه فعل ( ينحتون ) .
[ ص: 74 ] و ( آمنين ) حال من ضمير ( ينحتون ) وهي حال مقدرة ، أي مقدرين أن يكونوا آمنين عقب نحتها وسكناها . وكانت لهم بمنزلة الحصون لا ينالهم فيها العدو .
ولكنهم نسوا أنها لا تأمنهم من عذاب الله ; فلذلك قال فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون .
والفاء في فأخذتهم الصيحة للتعقيب والسببية ، و " مصبحين " حال ، أي داخلين في وقت الصباح .
و ما كانوا يكسبون أي يصنعون ، أي البيوت التي عنوا بتحصينها وتحسينها كما دل عليه فعل ( كانوا ) . وصيغة المضارع في يكسبون لدلالتها على التكرر والتجدد المكنى به عن إتقان الصنعة ، وبذلك كان موقع الموصول والصلة أبلغ من موقع لفظ بيوتهم مثلا ; ليدل على أن الذي لم يغن عنهم شيء متخذ للإغناء ومن شأنه ذلك .