nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_32016_32533قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون
لما ذكر عاقبة إضلالهم وصدهم السائلين عن القرآن والإسلام في الآخرة أتبع بالتهديد بأن يقع لهم ما وقع فيه أمثالهم في الدنيا من الخزي والعذاب مع التأييس من أن يبلغوا بصنعهم ذلك مبلغ مرادهم ، وأنهم خائبون في صنعهم كما خاب من قبلهم الذين مكروا برسلهم .
ولما كان جوابهم السائلين عن القرآن بقولهم هو
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=24أساطير الأولين مظهرينه بمظهر النصيحة والإرشاد ، وهم يريدون الاستبقاء على كفرهم ، سمي ذلك
[ ص: 134 ] مكرا بالمؤمنين ، إذ المكر إلحاق الضر بالغير في صورة تمويهه بالنصح والنفع ، فنظر فعلهم بمكر من قبلهم ، أي من الأمم السابقة الذين مكروا بغيرهم مثل
قوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط ، وقوم فرعون ، قال تعالى في
قوم صالح nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50ومكروا مكرا ومكرنا مكرا الآية ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون .
فالتعريف بالموصول في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26الذين من قبلهم مساو للتعريف بلام الجنس .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم استعارة بتشبيه القاصد للانتقام بالجائي نحو المنتقم منه ، ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا .
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد تمثيل لحالات استئصال الأمم ، فالبنيان مصدر بمعنى المفعول ، أي المبني ، وهو هنا مستعار للقوة والعزة والمنعة وعلو القدر .
وإطلاق البناء على مثل هذا وارد في فصيح الكلام ، قال
عبدة بن الطبيب :
فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قـوم تـهـدمـا
وقالت
سعدة أم الكميت بن معروف :
بنى لك معروف بناء هدمته وللشرف العادي بان وهادم
و من القواعد متعلق بـ أتى ، ( ومن ) ابتدائية ، ومجرورها هو مبدأ الإتيان الذي هو بمعنى الاستئصال ، فهو في معنى هدمه .
والقواعد : الأسس والأساطين التي تجعل عمدا للبناء يقام عليها السقف ، وهو تخييل أو ترشيح ، إذ ليس في الكلام شيء يشبه بالقواعد .
والخرور : السقوط والهوي ، ففعل خر مستعار لزوال ما به المنعة نظير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2يخربون بيوتهم بأيديهم .
[ ص: 135 ] والسقف : حقيقته غطاء الفراغ الذي بين جدران البيت ، يجعل على الجدران ، وتكون من حجر ومن أعواد ، وهو هنا مستعار لما استعير له البناء .
و من فوقهم تأكيد لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فخر عليهم السقف .
ومن مجموع هذه الاستعارات تتركب الاستعارة التمثيلية ، وهي تشبيه هيئة القوم الذين مكروا في المنعة فأخذهم الله بسرعة وأزال تلك العزة بهيئة قوم أقاموا بنيانا عظيما ذا دعائم وآووا إليه ، فاستأصله الله من قواعده فخر سقف البناء دفعة على أصحابه ; فهلكوا جميعا ، فهذا من إبداع التمثيلية ; لأنها تنحل إلى عدة استعارات .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26وأتاهم العذاب عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد ، و ( أل ) في العذاب للعهد فهي مفيدة مضمون قوله من فوقهم مع زيادة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26من حيث لا يشعرون ، فباعتبار هذه الزيادة وردت معطوفة لحصول المغايرة وإلا فإن شأن المؤكدة أن لا تعطف ، والمعنى : أن العذاب المذكور حل بهم بغتة وهم لا يشعرون فإن الأخذ فجأة أشد نكاية لما يصحبه من الرعب الشديد بخلاف الشيء الوارد تدريجا فإن النفس تتلقاه بصبر .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_32016_32533قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
لَمَّا ذَكَرَ عَاقِبَةَ إِضْلَالِهِمْ وَصَدِّهِمُ السَّائِلِينَ عَنِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ فِي الْآخِرَةِ أَتْبَعَ بِالتَّهْدِيدِ بِأَنْ يَقَعَ لَهُمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أَمْثَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخِزْيِ وَالْعَذَابِ مَعَ التَّأْيِيسِ مِنْ أَنْ يَبْلُغُوا بِصُنْعِهِمْ ذَلِكَ مَبْلَغَ مُرَادِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ خَائِبُونَ فِي صُنْعِهِمْ كَمَا خَابَ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِرُسُلِهِمْ .
وَلَمَّا كَانَ جَوَابُهُمُ السَّائِلِينَ عَنِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=24أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ مُظْهِرِينَهُ بِمَظْهَرِ النَّصِيحَةِ وَالْإِرْشَادِ ، وَهُمْ يُرِيدُونَ الِاسْتِبْقَاءَ عَلَى كُفْرِهِمْ ، سُمِّيَ ذَلِكَ
[ ص: 134 ] مَكْرًا بِالْمُؤْمِنِينَ ، إِذِ الْمَكْرُ إِلْحَاقُ الضُّرِّ بِالْغَيْرِ فِي صُورَةِ تَمْوِيهِهِ بِالنُّصْحِ وَالنَّفْعِ ، فَنُظِّرَ فِعْلُهُمْ بِمَكْرِ مَنْ قَبْلَهُمْ ، أَيْ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ الَّذِينَ مَكَرُوا بِغَيْرِهِمْ مِثْلُ
قَوْمِ هُودٍ ، وَقَوْمِ صَالِحٍ ، وَقَوْمِ لُوطٍ ، وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ ، قَالَ تَعَالَى فِي
قَوْمِ صَالِحٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا الْآيَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .
فَالتَّعْرِيفُ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مُسَاوٍ لِلتَّعْرِيفِ بِلَامِ الْجِنْسِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ الْقَاصِدِ لِلِانْتِقَامِ بِالْجَائِي نَحْوَ الْمُنْتَقَمِ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ تَمْثِيلٌ لِحَالَاتِ اسْتِئْصَالِ الْأُمَمِ ، فَالْبُنْيَانُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، أَيِ الْمَبْنِيِّ ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَعُلُوِّ الْقَدْرِ .
وَإِطْلَاقُ الْبِنَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَارِدٌ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ ، قَالَ
عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ :
فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَـوْمٍ تَـهَـدَّمَـا
وَقَالَتْ
سُعْدَةُ أُمُّ الْكُمَيْتِ بْنِ مَعْرُوفٍ :
بَنَى لَكَ مَعْرُوفٌ بِنَاءً هَدَمْتَهُ وَلِلشَّرَفِ الْعَادِيِّ بَانٍ وَهَادِمِ
وَ مِنَ الْقَوَاعِدِ مُتَعَلِّقٌ بِـ أَتَى ، ( وَمِنْ ) ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَمَجْرُورُهَا هُوَ مَبْدَأُ الْإِتْيَانِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِئْصَالِ ، فَهُوَ فِي مَعْنَى هَدْمِهِ .
وَالْقَوَاعِدُ : الْأُسُسُ وَالْأَسَاطِينُ الَّتِي تُجْعَلُ عُمُدًا لِلْبِنَاءِ يُقَامُ عَلَيْهَا السَّقْفُ ، وَهُوَ تَخْيِيلٌ أَوْ تَرْشِيحٌ ، إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ شَيْءٌ يُشَبَّهُ بِالْقَوَاعِدِ .
وَالْخُرُورُ : السُّقُوطُ وَالْهُوِيُّ ، فَفِعْلُ خَرَّ مُسْتَعَارٌ لِزَوَالِ مَا بِهِ الْمَنَعَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ .
[ ص: 135 ] وَالسَّقْفُ : حَقِيقَتُهُ غِطَاءُ الْفَرَاغِ الَّذِي بَيْنَ جُدْرَانِ الْبَيْتِ ، يُجْعَلُ عَلَى الْجُدْرَانِ ، وَتَكُونُ مِنْ حَجَرٍ وَمِنْ أَعْوَادٍ ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِمَا اسْتُعِيرَ لَهُ الْبِنَاءُ .
وَ مِنْ فَوْقِهِمْ تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ .
وَمِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَاتِ تَتَرَكَّبُ الِاسْتِعَارَةُ التَّمْثِيلِيَّةُ ، وَهِيَ تَشْبِيهُ هَيْئَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَكَرُوا فِي الْمَنَعَةِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِسُرْعَةٍ وَأَزَالَ تِلْكَ الْعِزَّةَ بِهَيْئَةِ قَوْمٍ أَقَامُوا بُنْيَانًا عَظِيمًا ذَا دَعَائِمَ وَآوَوْا إِلَيْهِ ، فَاسْتَأْصَلَهُ اللَّهُ مِنْ قَوَاعِدِهِ فَخَرَّ سَقْفُ الْبِنَاءِ دُفْعَةً عَلَى أَصْحَابِهِ ; فَهَلَكُوا جَمِيعًا ، فَهَذَا مِنْ إِبْدَاعِ التَّمْثِيلِيَّةِ ; لِأَنَّهَا تَنْحَلُّ إِلَى عِدَّةِ اسْتِعَارَاتٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ، وَ ( أَلْ ) فِي الْعَذَابِ لِلْعَهْدِ فَهِيَ مُفِيدَةٌ مَضْمُونَ قَوْلِهِ مِنْ فَوْقِهِمْ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَرَدَتْ مَعْطُوفَةً لِحُصُولِ الْمُغَايَرَةِ وَإِلَّا فَإِنَّ شَأْنَ الْمُؤَكَّدَةِ أَنْ لَا تُعْطَفَ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ حَلَّ بِهِمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَإِنَّ الْأَخْذَ فَجْأَةً أَشَدُّ نِكَايَةً لِمَا يَصْحَبُهُ مِنَ الرُّعْبِ الشَّدِيدِ بِخِلَافِ الشَّيْءِ الْوَارِدِ تَدْرِيجًا فَإِنَّ النَّفْسَ تَتَلَقَّاهُ بِصَبْرٍ .