nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_28675_28668_29706ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون
هذا ضغث على إبالة من أحوالهم في إشراكهم تخالف قصة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات باعتبار ما يختص بهذه القصة من إضافتهم الأشياء المكروهة عندهم إلى الله مما اقتضته كراهتهم البنات بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ولهم ما يشتهون ، فكان ذلك الجعل ينطوي على خصلتين من دين الشرك ، وهما : نسبة البنوة إلى الله ، ونسبة أخس أصناف الأبناء في نظرهم إليه ، فخصت الأولى بالذكر بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات مع الإيماء إلى كراهتهم البنات كما تقدم ، وخصت هذه بذكر الكراهية تصريحا ، ولذلك كان الإتيان بالموصول والصلة ما يكرهون هو مقتضى المقام الذي هو تفظيع قولهم ، وتشنيع استئثارهم ، وقد يكون الموصول للعموم فيشير إلى أنهم جعلوا لله أشياء يكرهونها لأنفسهم مثل الشريك في التصرف ، وأشياء لا يرضونها لآلهتهم ، ونسبوها لله كما أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون .
وفي الكشاف : ( يجعلون لله أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها ) ، فهو مراد عموم الموصول ، فتكون هذه القصة أعم من قصة قوله تعالى
[ ص: 192 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات ، ويكون تخصيصها بالذكر من جهتين : جهة اختلاف الاعتبار ، وجهة زيادة أنواع هذا الجعل .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62وتصف ألسنتهم الكذب عطف قصة على قصة أخرى من أحوال كفرهم .
ومعنى تصف تذكر بشرح وبيان وتفصيل ، حتى كأنها تذكر أوصاف الشيء ، وحقيقة الوصف : ذكر الصفات والحلى ، ثم أطلق على القول المبين المفصل ، قال في الكشاف في الآية الآتية في أواخر هذه السورة : هذا من فصيح الكلام وبليغه ، جعل القول كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد صورت الكذب بصورته ، كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر اهـ .
وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سبحانه وتعالى عما يصفون في سورة الأنعام ، وسيأتي في آخر هذه السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري :
سرى برق المعرة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
أي يشكو الإعياء من قطع مسافة طويلة في زمن قليل ، وهو من بديع استعاراته .
والمراد من هذا الكذب كل ما يقولونه من أقوال خاصتهم ودهمائهم باعتقاد أو تهكم ، فمن الأول قول
العاصي بن وائل المحكي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77وقال لأوتين مالا وولدا وفي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ، ومن الثاني قولهم في البلية : أن صاحبها يركبها يوم القيامة لكيلا يعيى .
وانتصب ( الكذب ) على أنه مفعول ( تصف ) .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62أن لهم الحسنى ) بدل من ( الكذب ) أو ( الحسنى ) صفة لمحذوف ، أي الحالة الحسنى .
[ ص: 193 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62لا جرم أن لهم النار جواب عن قولهم المحكي ، ومعنى لا جرم : لا شك ، أي حقا ، وتقدم في سورة هود .
و ( مفرطون ) بكسر الراء المخففة في قراءة
نافع : اسم فاعل من أفرط ، إذا بلغ غاية شيء ما ، أي مفرطون في الأخذ من عذاب النار .
وقرأه
أبو جعفر بكسر الراء مشددة من فرط المضاعف ، وقرأه البقية بفتح الراء مخففة على زنة اسم المفعول ، أي مجعولون فرطا بفتحتين ، وهو المقدم إلى الماء ليسقي .
والمراد : أنهم سابقون إلى النار معجلون إليها ; لأنهم أشد أهل النار استحقاقا لها ، وعلى هذا الوجه يكون إطلاق الإفراط على هذا المعنى استعارة تهكمية كقول
عمرو بن كلثوم :
فعجلنا القرى أن تشتمونا
أراد فبادرنا بقتالكم حين نزلتم بنا مغيرين علينا .
وفيه مع ذكر النار في مقابلتها محسن الطباق ، على أن قراءة
نافع تحتمل التفسير بهذا أيضا لجواز أن يقال : أفرط إلى الماء إذا تقدم له .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_28675_28668_29706وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ
هَذَا ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فِي إِشْرَاكِهِمْ تُخَالِفُ قِصَّةَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ إِضَافَتِهِمُ الْأَشْيَاءَ الْمَكْرُوهَةَ عِنْدَهُمْ إِلَى اللَّهِ مِمَّا اقْتَضَتْهُ كَرَاهَتُهُمُ الْبَنَاتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ، فَكَانَ ذَلِكَ الْجَعْلُ يَنْطَوِي عَلَى خَصْلَتَيْنِ مِنْ دِينِ الشِّرْكِ ، وَهُمَا : نِسْبَةُ الْبُنُوَّةِ إِلَى اللَّهِ ، وَنِسْبَةُ أَخَسِّ أَصْنَافِ الْأَبْنَاءِ فِي نَظَرِهِمْ إِلَيْهِ ، فَخَصَّتِ الْأُولَى بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى كَرَاهَتِهِمُ الْبَنَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَخَصَّتْ هَذِهِ بِذِكْرِ الْكَرَاهِيَةِ تَصْرِيحًا ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ مَا يَكْرَهُونَ هُوَ مُقْتَضَى الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ تَفْظِيعُ قَوْلِهِمْ ، وَتَشْنِيعُ اسْتِئْثَارِهِمْ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْصُولُ لِلْعُمُومِ فَيُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ أَشْيَاءَ يَكْرَهُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ مِثْلَ الشَّرِيكِ فِي التَّصَرُّفِ ، وَأَشْيَاءَ لَا يَرْضَوْنَهَا لِآلِهَتِهِمْ ، وَنَسَبُوهَا لِلَّهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ .
وَفِي الْكَشَّافِ : ( يَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَرْذَلَ أَمْوَالِهِمْ وَلِأَصْنَامِهِمْ أَكْرَمَهَا ) ، فَهُوَ مُرَادُ عُمُومِ الْمَوْصُولِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِصَّةُ أَعَمَّ مِنْ قِصَّةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
[ ص: 192 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ ، وَيَكُونُ تَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ مِنْ جِهَتَيْنِ : جِهَةِ اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ ، وَجِهَةِ زِيَادَةِ أَنْوَاعِ هَذَا الْجَعْلِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ أُخْرَى مِنْ أَحْوَالِ كُفْرِهِمْ .
وَمَعْنَى تَصِفُ تَذْكُرُ بِشَرْحٍ وَبَيَانٍ وَتَفْصِيلٍ ، حَتَّى كَأَنَّهَا تَذْكُرُ أَوْصَافَ الشَّيْءِ ، وَحَقِيقَةُ الْوَصْفِ : ذِكْرُ الصِّفَاتِ وَالْحُلَى ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُبِينِ الْمُفَصِّلِ ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ : هَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَبَلِيغِهِ ، جَعَلَ الْقَوْلَ كَأَنَّهُ عَيْنُ الْكَذِبِ فَإِذَا نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ فَقَدْ صَوَّرَتِ الْكَذِبَ بِصُورَتِهِ ، كَقَوْلِهِمْ : وَجْهُهَا يَصِفُ الْجَمَالَ ، وَعَيْنُهَا تَصِفُ السِّحْرَ اهـ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّي :
سَرَى بَرَقُ الْمَعَرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ فَبَاتَ بِرَامَةٍ يَصِفُ الْكَلَالَا
أَيْ يَشْكُو الْإِعْيَاءَ مِنْ قَطْعِ مَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ ، وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ اسْتِعَارَاتِهِ .
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَذِبِ كُلُّ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ خَاصَّتِهِمْ وَدَهْمَائِهِمْ بِاعْتِقَادٍ أَوْ تَهَكُّمٍ ، فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ
الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ، وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُمْ فِي الْبَلِيَّةِ : أَنَّ صَاحِبَهَا يَرْكَبُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِكَيْلَا يُعْيَى .
وَانْتَصَبَ ( الْكَذِبَ ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ ( تَصِفُ ) .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ) بَدَلٌ مِنَ ( الْكَذِبَ ) أَوِ ( الْحُسْنَى ) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ ، أَيِ الْحَالَةُ الْحُسْنَى .
[ ص: 193 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمُ الْمَحْكِيِّ ، وَمَعْنَى لَا جَرَمَ : لَا شَكَّ ، أَيْ حَقًّا ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ هُودٍ .
وَ ( مُفْرِطُونَ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ فِي قِرَاءَةِ
نَافِعٍ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَفْرَطَ ، إِذَا بَلَغَ غَايَةَ شَيْءٍ مَا ، أَيْ مُفْرِطُونَ فِي الْأَخْذِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ .
وَقَرَأَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُشَدِّدَةً مِنْ فَرَّطَ الْمُضَاعَفِ ، وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً عَلَى زِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ ، أَيْ مَجْعُولُونَ فَرَطًا بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ إِلَى الْمَاءِ لِيَسْقِيَ .
وَالْمُرَادُ : أَنَّهُمْ سَابِقُونَ إِلَى النَّارِ مُعَجِّلُونَ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ اسْتِحْقَاقًا لَهَا ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ إِطْلَاقُ الْإِفْرَاطِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِعَارَةً تَهَكُّمِيَّةً كَقَوْلِ
عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ :
فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا
أَرَادَ فَبَادَرْنَا بِقِتَالِكُمْ حِينَ نَزَلْتُمْ بِنَا مُغِيرِينَ عَلَيْنَا .
وَفِيهِ مَعَ ذِكْرِ النَّارِ فِي مُقَابَلَتِهَا مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ ، عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ
نَافِعٍ تَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ بِهَذَا أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ : أَفْرَطَ إِلَى الْمَاءِ إِذَا تَقَدَّمَ لَهُ .