[ ص: 735 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134nindex.php?page=treesubj&link=28973_30531_30530تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون عقبت الآيات المتقدمة من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وإذ ابتلى إبراهيم ربه بهذه الآية لأن تلك الآيات تضمنت الثناء على
إبراهيم وبنيه والتنويه بشأنهم والتعريض بمن لم يقتف آثارهم من ذريتهم وكأن ذلك قد ينتحل منه المغرورون عذرا لأنفسهم فيقولون نحن وإن قصرنا فإن لنا من فضل آبائنا مسلكا لنجاتنا ، فذكرت هذه الآية لإفادة أن الجزاء بالأعمال لا بالاتكال .
والإشارة بتلك عائدة إلى
إبراهيم وبنيه باعتبار أنهم جماعة وباعتبار الإخبار عنهم باسم مؤنث لفظه وهو أمة .
والأمة تقدم بيانها آنفا عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وقوله قد خلت صفة لأمة ومعنى خلت مضت ، وأصل الخلاء الفراغ فأصل معنى خلت خلا منها المكان فأسند الخلو إلى أصحاب المكان على طريقة المجاز العقلي لنكتة المبالغة ، والخبر هنا كناية عن عدم انتفاع غيرهم بأعمالهم الصالحة وإلا فإن كونها خلت مما لا يحتاج إلى الإخبار به ، ولذا فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لها ما كسبت الآية بدل من جملة " قد خلت " بدل مفصل من مجمل .
والخطاب موجه إلى
اليهود أي لا ينفعكم صلاح آبائكم إذا كنتم غير متبعين طريقتهم ، فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لها ما كسبت تمهيد لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134ولكم ما كسبتم إذ هو المقصود من الكلام ، والمراد بما كسبت وبما كسبتم ثواب الأعمال بدليل التعبير فيه بلها ولكم ، ولك أن تجعل الكلام من نوع الاحتباك والتقرير لها ما كسبت وعليكم ما كسبتم أي إثمه . ومن هذه الآية ونظائرها انتزع الأشعري التعبير عن فعل العبد بالكسب .
وتقديم المسندين على المسند إليهما في لها ما كسبت ولكم ما كسبتم لقصر المسند إليه على المسند أي ما كسبت الأمة لا يتجاوزها إلى غيرها وما كسبتم لا يتجاوزكم ، وهو قصر إضافي لقلب اعتقاد المخاطبين فإنهم لغرورهم يزعمون أن ما كان لأسلافهم من الفضائل يزيل ما ارتكبوه هم من المعاصي أو يحمله عنهم أسلافهم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134ولا تسألون عما كانوا يعملون معطوف على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لها ما كسبت وهو من تمام التفصيل
[ ص: 736 ] لمعنى خلت ، فإن جعلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم خاصا بالأعمال الصالحة فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134ولا تسألون إلخ تكميل للأقسام أي وعلى كل ما عمل من الإثم ولذا عبر هنالك بالكسب المتعارف في الادخار والتنافس وعبر هنا بالعمل .
وإنما نفى السؤال عن العمل لأنه أقل أنواع المؤاخذة بالجريمة فإن المرء يؤخذ بجريمته فيسأل عنها ويعاقب وقد يسأل المرء عن جريمة غيره ولا يعاقب كما يلام على القوم فعل بعضهم ما لا يليق وهو شائع عند العرب قال
زهير : لعمري لنعم الحي جر عليهم بما لا يواتيهم
حصين بن ضمضم فنفي أصل السؤال أبلغ وأشمل للأمرين ، وإن جعلت قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134ولكم ما كسبتم مرادا به الأعمال الذميمة المحيطة بهم كان قوله ولا تسألون إلخ احتراسا واستيفاء لتحقيق معنى الاختصاص أي كل فريق مختص به عمله أو تبعته ، ولا يلحق الآخر من ذلك شيء ولا السؤال عنه ، أي لا تحاسبون بأعمال سلفكم وإنما تحاسبون بأعمالكم .
[ ص: 735 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134nindex.php?page=treesubj&link=28973_30531_30530تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ عُقِّبَتِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ تَضَمَّنَتِ الثَّنَاءَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ وَالتَّنْوِيهَ بِشَأْنِهِمْ وَالتَّعْرِيضَ بِمَنْ لَمْ يَقْتَفِ آثَارَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَكَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَنْتَحِلُ مِنْهُ الْمَغْرُورُونَ عُذْرًا لِأَنْفُسِهِمْ فَيَقُولُونَ نَحْنُ وَإِنْ قَصَّرْنَا فَإِنَّ لَنَا مِنْ فَضْلِ آبَائِنَا مَسْلَكًا لِنَجَاتِنَا ، فَذُكِرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْأَعْمَالِ لَا بِالِاتِّكَالِ .
وَالْإِشَارَةُ بِتِلْكَ عَائِدَةٌ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ وَبِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِاسْمٍ مُؤَنَّثٍ لَفْظُهُ وَهُوَ أُمَّةٌ .
وَالْأُمَّةُ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَقَوْلُهُ قَدْ خَلَتْ صِفَةٌ لِأُمَّةٍ وَمَعْنَى خَلَتْ مَضَتْ ، وَأَصْلُ الْخَلَاءِ الْفَرَاغُ فَأَصْلُ مَعْنَى خَلَتْ خَلَا مِنْهَا الْمَكَانُ فَأَسْنَدَ الْخُلُوَّ إِلَى أَصْحَابِ الْمَكَانِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِنُكْتَةِ الْمُبَالَغَةِ ، وَالْخَبَرُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ انْتِفَاعِ غَيْرِهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وَإِلَّا فَإِنَّ كَوْنَهَا خَلَتْ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهِ ، وَلِذَا فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لَهَا مَا كَسَبَتْ الْآيَةَ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ " قَدْ خَلَتْ " بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ .
وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى
الْيَهُودِ أَيْ لَا يَنْفَعُكُمْ صَلَاحُ آبَائِكُمْ إِذَا كُنْتُمْ غَيْرَ مُتَّبِعِينَ طَرِيقَتَهُمْ ، فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لَهَا مَا كَسَبَتْ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ ، وَالْمُرَادُ بِمَا كَسَبَتْ وَبِمَا كَسَبْتُمْ ثَوَابُ الْأَعْمَالِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ فِيهِ بَلَهَا وَلَكُمْ ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْكَلَامَ مِنْ نَوْعِ الِاحْتِبَاكِ وَالتَّقْرِيرِ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْكُمْ مَا كَسَبْتُمْ أَيْ إِثْمُهُ . وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَنَظَائِرِهَا انْتَزَعَ الْأَشْعَرِيُّ التَّعْبِيرَ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ بِالْكَسْبِ .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدَيْنِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِمَا فِي لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ لِقَصْرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ أَيْ مَا كَسَبَتِ الْأُمَّةُ لَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى غَيْرِهَا وَمَا كَسَبْتُمْ لَا يَتَجَاوَزُكُمْ ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ فَإِنَّهُمْ لِغُرُورِهِمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا كَانَ لِأَسْلَافِهِمْ مِنَ الْفَضَائِلِ يُزِيلُ مَا ارْتَكَبُوهُ هُمْ مِنَ الْمَعَاصِي أَوْ يَحْمِلُهُ عَنْهُمْ أَسْلَافُهُمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134لَهَا مَا كَسَبَتْ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ التَّفْصِيلِ
[ ص: 736 ] لِمَعْنَى خَلَتْ ، فَإِنْ جَعَلْتَ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ خَاصًّا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134وَلَا تُسْأَلُونَ إِلَخْ تَكْمِيلٌ لِلْأَقْسَامِ أَيْ وَعَلَى كُلِّ مَا عَمِلَ مِنَ الْإِثْمِ وَلِذَا عَبَّرَ هُنَالِكَ بِالْكَسْبِ الْمُتَعَارَفِ فِي الِادِّخَارِ وَالتَّنَافُسِ وَعَبَّرَ هُنَا بِالْعَمَلِ .
وَإِنَّمَا نَفَى السُّؤَالَ عَنِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَنْوَاعِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْجَرِيمَةِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُؤْخَذُ بِجَرِيمَتِهِ فَيُسْأَلُ عَنْهَا وَيُعَاقَبُ وَقَدْ يُسْأَلُ الْمَرْءُ عَنْ جَرِيمَةِ غَيْرِهِ وَلَا يُعَاقَبُ كَمَا يُلَامُ عَلَى الْقَوْمِ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَلِيقُ وَهُوَ شَائِعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَ
زُهَيْرٌ : لَعَمْرِي لَنِعْمَ الْحَيُّ جَرَّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يُوَاتِيهِمْ
حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ فَنَفْيُ أَصْلِ السُّؤَالِ أَبْلَغُ وَأَشْمَلُ لِلْأَمْرَيْنِ ، وَإِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=134وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ مُرَادًا بِهِ الْأَعْمَالَ الذَّمِيمَةَ الْمُحِيطَةَ بِهِمْ كَانَ قَوْلُهُ وَلَا تُسْأَلُونَ إِلَخِ احْتِرَاسًا وَاسْتِيفَاءً لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مُخْتَصٌّ بِهِ عَمَلُهُ أَوْ تَبِعَتُهُ ، وَلَا يَلْحَقُ الْآخَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَا السُّؤَالُ عَنْهُ ، أَيْ لَا تُحَاسَبُونَ بِأَعْمَالِ سَلَفِكُمْ وَإِنَّمَا تُحَاسَبُونَ بِأَعْمَالِكُمْ .