وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
عطف على آية من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الآية .
وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال ; زيادة على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم ، ولهذا اقتصر على قوله وما كنا معذبين دون أن يقال : ولا مثيبين ; لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة ، وليس مقام امتنان بالإرشاد .
والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق ، وقرينة عطف وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية ، ودلت على ذلك آيات كثيرة ، قال الله [ ص: 52 ] تعالى وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين ، وقال فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون على أن معنى ( حتى ) يؤذن بأن بعثة الرسول متصلة بالعذاب شأن الغاية ، وهذا اتصال عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدة للتبليغ ، والاستمرار على تكذيبهم الرسول ، والإمهال للمكذبين ، ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا ، وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها .
على أننا إذا اعتبرنا التوسع في الغاية صح حمل التعذيب على ما يعم عذاب الدنيا والآخرة .
ووقوع فعل معذبين في سياق النفي يفيد العموم ، فبعثة الرسل ; لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال .
ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم ، وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قومه ، فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله ، وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع ، فوجود الله ، وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله ، وعطل ، ولا عذر له بعد بعثة رسول .
وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول ( العقل ) تطوح عن استعمال اللغة ، وإغماض عن كونه مفعولا لفعل نبعث إذ لا يقال بعث عقلا بمعنى جعل ، وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل في سورة النساء .