[ ص: 152 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28988_30464_28798قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا
جواب من الله تعالى عن سؤال إبليس التأخير إلى يوم القيامة ، ولذلك فصلت جملة ( قال ) على طريقة المحاورات التي ذكرناها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قالوا أتجعل فيها .
والذهاب ليس مرادا به الانصراف ، بل هو مستعمل في الاستمرار على العمل ، أي امض لشأنك الذي نويته ، وصيغة الأمر مستعملة في التسوية ، وهو كقول
النبهاني من شعراء الحماسة :
فإن كنت سيدنا سدتنا وإن كنت للخال فاذهب فخل
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63فمن تبعك منهم تفريع على التسوية والزجر كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=97قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس .
والجزاء : مصدر جزاه على عمل ، أي أعطاه عن عمله عوضا ، وهو هنا بمعنى اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .
والموفور : اسم مفعول من وفره إذا كثره .
وأعيد ( جزاء ) للتأكيد ; اهتماما وفصاحة ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إنا أنزلناه قرآنا عربيا ، ولأنه أحسن في جريان وصف الموفور على موصوف متصل به دون فصل ، وأصل الكلام : فإن جهنم جزاؤكم موفورا ، فانتصاب ( جزاء ) على الحال الموطئة ، و ( موفورا ) صفة له ، وهو الحال في المعنى ، أي جزاء غير منقوص .
[ ص: 153 ] والاستفزاز : طلب الفز ، وهو الخفة والانزعاج ، وترك التثاقل .
والسين والتاء فيه للجعل الناشئ عن شدة الطلب ، والحث الذي هو أصل معنى السين والتاء ، أي استخفهم وأزعجهم .
والصوت : يطلق على الكلام كثيرا ; لأن الكلام صوت من الفم ، واستعير هنا لإلقاء الوسوسة في نفوس الناس ، ويجوز أن يكون مستعملا هنا تمثيلا لحالة إبليس بحال قائد الجيش ; فيكون متصلا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وأجلب عليهم بخيلك كما سيأتي .
والإجلاب : جمع الجيش وسوقه ، مشتق من الجلبة بفتحتين ، وهي الصياح ; لأن قائد الجيش إذا أراد جمع الجيش نادى فيهم للنفير أو للغارة والهجوم .
والخيل : اسم جمع الفرس ، والمراد به عند ذكر ما يدل على الجيش الفرسان ، ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342078يا خيل الله اركبي ، وهو تمثيل لحال صرف قوته ومقدرته على الإضلال بحال قائد الجيش يجمع فرسانه ورجالته .
ولما كان قائد الجيش ينادي في الجيش عند الأمر بالغارة جاز أن يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64واستفزز من استطعت منهم بصوتك من جملة هذا التمثيل .
والرجل : اسم جمع الرجال كصحب . وقد كانت جيوش العرب مؤلفة من رجالة يقاتلون بالسيوف ، ومن كتائب فرسان يقاتلون بنضح النبال ، فإذا التحموا اجتلدوا بالسيوف جميعا ، قال
أنيف بن زبان النبهاني :
وتحت نحور الخيل حرشف رجلة تتاح لحبات القلوب نبالها
ثم قال :
فلما التقينا بين السيف بيننا لسائلة عنا حفي سؤالها
[ ص: 154 ] والمعنى : أجمع لمن اتبعك من ذرية
آدم وسائل الفتنة والوسوسة لإضلالهم ، فجعلت وسائل الوسوسة بتزيين المفاسد وتفظيع المصالح كاختلاف أصناف الجيش ، فهذا تمثيل حال الشيطان وحال متبعيه من ذرية
آدم بحال من يغزو قوما بجيش عظيم من فرسان ورجالة .
وقرأ
حفص عن
عاصم ورجلك بكسر الجيم ، وهو لغة في رجل مضموم الجيم ، وهو الواحد من الرجال ، والمراد الجنس ، والمعنى : بخيلك ورجالك ، أي الفرسان والمشاة .
والباء في بخيلك إما لتأكيد لصوق الفعل لمفعوله فهي لمجرد التأكيد ، ومجرورها مفعول في المعنى لفعل أجلب مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم ; وإما لتضمين فعل أجلب معنى اغزهم فيكون الفعل مضمنا معنى الفعل اللازم ، وتكون الباء للمصاحبة .
nindex.php?page=treesubj&link=30464والمشاركة في الأموال : أن يكون للشيطان نصيب في أموالهم وهي أنعامهم وزروعهم إذ سول لهم أن يجعلوا نصيبا في النتاج والحرث للأصنام ، وهي من مصارف الشيطان ; لأن الشيطان هو المسول للناس باتخاذها ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا .
nindex.php?page=treesubj&link=30464وأما مشاركة الأولاد فهي أن يكون للشيطان نصيب في أحوال أولادهم مثل تسويله لهم أن يئدوا أولادهم ، وأن يستولدوهم من الزنى ، وأن يسموهم بعبدة الأصنام ، كقولهم : عبد العزى ، وعبد اللات ، وزيد مناة ، ويكون انتسابه إلى ذلك الصنم .
ومعنى عدهم أعطهم المواعيد بحصول ما يرغبونه كما يسول لهم بأنهم إن جعلوا أولادهم للأصنام سلم الآباء من الثكل ، والأولاد من الأمراض ، ويسول لهم أن الأصنام تشفع لهم عند الله في الدنيا ، وتضمن لهم
[ ص: 155 ] النصر على الأعداء ، كما قال
أبو سفيان يوم أحد اعل هبل ، ومنه وعدهم بأنهم لا يخشون عذابا بعد الموت ; لإنكار البعث ، ووعد العصاة بحصول اللذات المطلوبة من المعاصي مثل الزنى والسرقة والخمر والمقامرة .
وحذف مفعول وعدهم للتعميم في الموعود به ، والمقام دال على أن المقصود أن يعدهم بما يرغبون ; لأن العدة هي التزام إعطاء المرغوب ، وسماه وعدا ; لأنه يوهمهم حصوله فيما يستقبل ، فلا يزالون ينتظرونه كشأن الكذاب أن يحتزر عن الإخبار بالعاجل ; لقرب افتضاحه فيجعل مواعيده كلها للمستقبل .
ولذلك اعترض بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، والغرور : إظهار الشيء المكروه في صورة المحبوب الحسن ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد في آل عمران ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112زخرف القول غرورا في الأنعام ، والمعنى : أن ما سوله لهم الشيطان في حصول المرغوب إما باطل لا يقع ، مثل ما يسوله للناس من العقائد الفاسدة ، وكونه غرورا ; لأنه إظهار لما يقع في صورة الواقع فهو تلبيس ، وإما حاصل لكنه مكروه غير محمود بالعاقبة ، مثل ما يسوله للناس من قضاء دواعي الغضب والشهوة ومحبة العاجل دون تفكير في الآجل ، وكل ذلك لا يخلو عن مقارنة الأمر المكروه أو كونه آيلا إليه بالإضرار ، وقد بسط هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في كتاب الغرور من كتاب ( إحياء علوم الدين ) .
وإظهار اسم الشيطان في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وما يعدهم الشيطان دون أن يأتي بضميره المستتر ; لأن هذا الاعتراض جملة مستقلة فلو كان فيها ضمير عائد إلى ما في جملة أخرى لكان في النثر شبه عيب التضمين في الشعر ، ولأن هذه الجملة جارية مجرى المثل فلا يحسن اشتمالها على ضمير ليس من أجزائها .
[ ص: 152 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28988_30464_28798قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ سُؤَالِ إِبْلِيسَ التَّأْخِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ ( قَالَ ) عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا .
وَالذَّهَابُ لَيْسَ مُرَادًا بِهِ الِانْصِرَافُ ، بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ ، أَيِ امْضِ لِشَأْنِكَ الَّذِي نَوَيْتَهُ ، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّسْوِيَةِ ، وَهُوَ كَقَوْلِ
النَّبْهَانِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ :
فَإِنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا وَإِنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ وَالزَّجْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=97قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ .
وَالْجَزَاءُ : مَصْدَرُ جَزَاهُ عَلَى عَمَلٍ ، أَيْ أَعْطَاهُ عَنْ عَمَلِهِ عِوَضًا ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ .
وَالْمَوْفُورُ : اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ وَفَرَهُ إِذَا كَثَّرَهُ .
وَأُعِيدَ ( جَزَاءً ) لِلتَّأْكِيدِ ; اهْتِمَامًا وَفَصَاحَةً ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ، وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ فِي جَرَيَانِ وَصْفِ الْمَوْفُورِ عَلَى مَوْصُوفٍ مُتَّصِلٍ بِهِ دُونَ فَصْلٍ ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ : فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ مَوْفُورًا ، فَانْتِصَابُ ( جَزَاءً ) عَلَى الْحَالِ الْمُوَطِّئَةِ ، وَ ( مَوْفُورًا ) صِفَةٌ لَهُ ، وَهُوَ الْحَالُ فِي الْمَعْنَى ، أَيْ جَزَاءً غَيْرَ مَنْقُوصٍ .
[ ص: 153 ] وَالِاسْتِفْزَازُ : طَلَبُ الْفَزِّ ، وَهُوَ الْخِفَّةُ وَالِانْزِعَاجُ ، وَتَرْكُ التَّثَاقُلِ .
وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْجَعْلِ النَّاشِئِ عَنْ شِدَّةِ الطَّلَبِ ، وَالْحَثِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى السِّينِ وَالتَّاءِ ، أَيِ اسْتَخِفَّهُمْ وَأَزْعِجْهُمْ .
وَالصَّوْتُ : يُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ كَثِيرًا ; لِأَنَّ الْكَلَامَ صَوْتٌ مِنَ الْفَمِ ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِإِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا هُنَا تَمْثِيلًا لِحَالَةِ إِبْلِيسَ بِحَالِ قَائِدِ الْجَيْشِ ; فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالْإِجْلَابُ : جَمْعُ الْجَيْشِ وَسَوْقُهُ ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَلَبَةِ بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهِيَ الصِّيَاحُ ; لِأَنَّ قَائِدَ الْجَيْشِ إِذَا أَرَادَ جَمْعَ الْجَيْشِ نَادَى فِيهِمْ لِلنَّفِيرِ أَوْ لِلْغَارَةِ وَالْهُجُومِ .
وَالْخَيْلُ : اسْمُ جَمْعِ الْفَرَسِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَيْشِ الْفُرْسَانُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342078يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِحَالِ صَرْفِ قُوَّتِهِ وَمَقْدِرَتِهِ عَلَى الْإِضْلَالِ بِحَالِ قَائِدِ الْجَيْشِ يَجْمَعُ فُرْسَانَهُ وَرِجَالَتَهُ .
وَلَمَّا كَانَ قَائِدُ الْجَيْشِ يُنَادِي فِي الْجَيْشِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْغَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا التَّمْثِيلِ .
وَالرَّجْلُ : اسْمُ جَمْعِ الرِّجَالِ كَصَحْبٍ . وَقَدْ كَانَتْ جُيُوشُ الْعَرَبِ مُؤَلَّفَةً مِنْ رِجَالَةٍ يُقَاتِلُونَ بِالسُّيُوفِ ، وَمِنْ كَتَائِبِ فُرْسَانٍ يُقَاتِلُونَ بِنَضْحِ النِّبَالِ ، فَإِذَا الْتَحَمُوا اجْتَلَدُوا بِالسُّيُوفِ جَمِيعًا ، قَالَ
أُنَيْفُ بْنُ زَبَّانَ النَّبْهَانِيُّ :
وَتَحْتَ نُحُورِ الْخَيْلِ حَرْشَفُ رِجْلَةٍ تُتَاحُ لِحَبَّاتِ الْقُلُوبِ نِبَالُهَا
ثُمَّ قَالَ :
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بَيَّنَ السَّيْفُ بَيْنَنَا لِسَائِلَةٍ عَنَّا حَفِيٍّ سُؤَالُهَا
[ ص: 154 ] وَالْمَعْنَى : أَجْمِعْ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ
آدَمَ وَسَائِلَ الْفِتْنَةِ وَالْوَسْوَسَةِ لِإِضْلَالِهِمْ ، فَجُعِلَتْ وَسَائِلُ الْوَسْوَسَةِ بِتَزْيِينِ الْمَفَاسِدِ وَتَفْظِيعِ الْمَصَالِحِ كَاخْتِلَافِ أَصْنَافِ الْجَيْشِ ، فَهَذَا تَمْثِيلُ حَالِ الشَّيْطَانِ وَحَالِ مُتَّبِعِيهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ
آدَمَ بِحَالِ مَنْ يَغْزُو قَوْمًا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ مِنْ فُرْسَانٍ وَرَجَّالَةٍ .
وَقَرَأَ
حَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ وَرَجِلِكَ بِكَسْرِ الْجِيمِ ، وَهُوَ لُغَةٌ فِي رَجُلٍ مَضْمُومِ الْجِيمِ ، وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنَ الرِّجَالِ ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ ، وَالْمَعْنَى : بِخَيْلِكَ وَرِجَالِكَ ، أَيِ الْفُرْسَانِ وَالْمُشَاةِ .
وَالْبَاءُ فِي بَخَيْلِكَ إِمَّا لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ الْفِعْلِ لِمَفْعُولِهِ فَهِيَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ ، وَمَجْرُورُهَا مَفْعُولٌ فِي الْمَعْنَى لِفِعْلِ أَجْلِبْ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ; وَإِمَّا لِتَضْمِينِ فِعْلِ أَجْلِبْ مَعْنَى اغْزُهُمْ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مُضَمَّنًا مَعْنَى الْفِعْلِ اللَّازِمِ ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30464وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ : أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِي أَمْوَالِهِمْ وَهِيَ أَنْعَامُهُمْ وَزُرُوعُهُمْ إِذْ سَوَّلَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا نَصِيبًا فِي النِّتَاجِ وَالْحَرْثِ لِلْأَصْنَامِ ، وَهِيَ مِنْ مَصَارِفِ الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الْمُسَوِّلُ لِلنَّاسِ بِاتِّخَاذِهَا ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا .
nindex.php?page=treesubj&link=30464وَأَمَّا مُشَارَكَةُ الْأَوْلَادِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِي أَحْوَالِ أَوْلَادِهِمْ مِثْلَ تَسْوِيلِهِ لَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادَهُمْ ، وَأَنْ يَسْتَوْلِدُوهُمْ مِنَ الزِّنَى ، وَأَنْ يُسَمُّوهُمْ بِعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ، كَقَوْلِهِمْ : عَبْدُ الْعُزَّى ، وَعَبْدُ اللَّاتِ ، وَزَيْدُ مَنَاةَ ، وَيَكُونُ انْتِسَابُهُ إِلَى ذَلِكَ الصَّنَمِ .
وَمَعْنَى عِدْهُمْ أَعْطِهِمُ الْمَوَاعِيدَ بِحُصُولِ مَا يَرْغَبُونَهُ كَمَا يُسَوِّلُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ جَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ لِلْأَصْنَامِ سَلِمَ الْآبَاءُ مِنَ الثُّكْلِ ، وَالْأَوْلَادُ مِنَ الْأَمْرَاضِ ، وَيُسَوِّلُ لَهُمْ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ، وَتَضْمَنُ لَهُمُ
[ ص: 155 ] النَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ ، كَمَا قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ اعْلُ هُبَلُ ، وَمِنْهُ وَعْدُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَخْشَوْنَ عَذَابًا بَعْدَ الْمَوْتِ ; لِإِنْكَارِ الْبَعْثِ ، وَوَعْدِ الْعُصَاةِ بِحُصُولِ اللَّذَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي مِثْلَ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَالْمُقَامَرَةِ .
وَحُذِفَ مَفْعُولُ وَعَدَهُمْ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْمَوْعُودِ بِهِ ، وَالْمَقَامُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَعِدَهُمْ بِمَا يَرْغَبُونَ ; لِأَنَّ الْعِدَةَ هِيَ الْتِزَامُ إِعْطَاءِ الْمَرْغُوبِ ، وَسَمَّاهُ وَعْدًا ; لِأَنَّهُ يُوهِمُهُمْ حُصُولَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، فَلَا يَزَالُونَ يَنْتَظِرُونَهُ كَشَأْنِ الْكَذَّابِ أَنْ يَحْتَزِرَ عَنِ الْإِخْبَارِ بِالْعَاجِلِ ; لَقُرْبِ افْتِضَاحِهِ فَيَجْعَلُ مَوَاعِيدَهُ كُلَّهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ .
وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ، وَالْغُرُورُ : إِظْهَارُ الشَّيْءِ الْمَكْرُوهِ فِي صُورَةِ الْمَحْبُوبِ الْحَسَنِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ فِي آلِ عِمْرَانَ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا فِي الْأَنْعَامِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ مَا سَوَّلَهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي حُصُولِ الْمَرْغُوبِ إِمَّا بَاطِلٌ لَا يَقَعُ ، مِثْلَ مَا يُسَوِّلُهُ لِلنَّاسِ مِنَ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ ، وَكَوْنِهِ غُرُورًا ; لِأَنَّهُ إِظْهَارٌ لِمَا يَقَعُ فِي صُورَةِ الْوَاقِعِ فَهُوَ تَلْبِيسٌ ، وَإِمَّا حَاصِلٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مَحْمُودٍ بِالْعَاقِبَةِ ، مِثْلَ مَا يُسَوِّلُهُ لِلنَّاسِ مِنْ قَضَاءِ دَوَاعِي الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ وَمَحَبَّةِ الْعَاجِلِ دُونَ تَفْكِيرٍ فِي الْآجِلِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَارَنَةِ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ كَوْنِهِ آيِلًا إِلَيْهِ بِالْإِضْرَارِ ، وَقَدْ بَسَطَ هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْغُرُورِ مِنْ كِتَابِ ( إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ ) .
وَإِظْهَارُ اسْمِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=64وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِضَمِيرِهِ الْمُسْتَتِرِ ; لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَوْ كَانَ فِيهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى مَا فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى لَكَانَ فِي النَّثْرِ شِبْهُ عَيْبِ التَّضْمِينِ فِي الشِّعْرِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْمَثَلِ فَلَا يَحْسُنُ اشْتِمَالُهَا عَلَى ضَمِيرٍ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا .