و ما هو شفاء مفعول ننزل ، و من القرآن بيان لما في ( ما ) من الإبهام كالتي في قوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، أي الرجس الذي هو الأوثان ، وتقديم البيان لتحصيل غرض الاهتمام بذكر القرآن مع غرض الثناء عليه بطريق الموصولية بقوله ما هو شفاء ورحمة إلخ ، للدلالة على تمكن ذلك الوصف منه بحيث يعرف به ، والمعنى : ننزل الشفاء والرحمة وهو القرآن ، وليست من للتبعيض ، ولا للابتداء .
والشفاء حقيقته زوال الداء ، ويستعمل مجازا في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة ; تشبيها له ببرء السقم ، كقول عنترة :
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس : ويك عنتر قدم
والمعنى : أن ، ويزيد خسارة للكافرين ; لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده ، كل آية من ذلك مشتملة على هدي وصلاح حال للمؤمنين المتبعينه . القرآن كله شفاء ورحمة للمؤمنين[ ص: 190 ] ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم . أي الشرك ، فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن فيزدادون بذلك خسارا بزيادة آثامهم واستمرارهم على فاسد أخلاقهم ، وبعد ما بينهم وبين الإيمان ، وهذا كقوله فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون .
وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها من الأدواء والآلام ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المشترك في معنييه ، وهذا مما بينا تأصيله في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
والأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة ، بله الاستعاذة بآيات منه من الضلال كثيرة في صحيح البخاري وجامع الترمذي وغيرهما ، وفي الحديث الصحيح عن رضي الله عنه قال : أبي سعيد الخدري ، فهذا تقرير من النبيء صلى الله عليه وسلم بصحة إلهام بعثنا رسول الله في سرية ثلاثين راكبا فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا ، فلدغ سيد الحي فأتونا ، فقالوا : أفيكم أحد يرقي من العقرب ؟ قال : قلت : نعم ، ولكن لا أفعل حتى يعطونا ، فقالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، قال : فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات فبرأ ، الحديث ، وفيه : حتى أتينا رسول الله فأخبرته فقال : وما يدريك أنها رقية ؟ قلت : يا رسول الله ، شيء ألقي في روعي أي : إلهام ألهمه الله ، قال : كلوا وأطعمونا من الغنم أبي سعيد رضي الله عنه .