ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه يجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى جمعا بين المانع الظاهر المعتاد من الهدى ، وبين المانع الحقيقي ، وهو حرمان التوفيق من الله تعالى ، فمن أصر على الكفر مع وضوح الدليل [ ص: 215 ] لذوي العقول ، فذلك لأن الله تعالى لم يوفقه ، وأسباب الحرمان غضب الله على من لا يلقي عقله لتلقي الحق ، ويتخذ هواه رائدا له في مواقف الجد .
ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ارتقاء في التسلية ، أي لا يحزنك عدم اهتدائهم ، فإن الله حرمهم الاهتداء لما أخذوا بالعناد قبل التدبر في حقيقة الرسالة .
والمراد بالهدى : الهدى إلى الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
والتعريف في المهتدي تعريف العهد الذهني ، فالمعرف مساو للنكرة ، فكأنه قيل : فهو مهتد ، وفائدة الإخبار عنه بأنه مهتد التوطئة إلى ذكر مقابله ، وهو ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ، كما يقال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فلان .
ويجوز أن تجعل التعريف في قوله فهو المهتدي تعريف الجنس ; فيفيد قصر الهداية على الذي هداه الله قصرا إضافيا ، أي دون من تريد أنت هداه ، وأضله الله ، ولا يحتمل أن يكون المعنى على القصر الادعائي الذي هو بمعنى الكمال ; لأن الهدى المراد هنا هدى واحد ، وهو الهدى إلى الإيمان .
وحذفت ياء " المهتدي " في رسم المصحف ; لأنهم وقفوا عليها بدون ياء ، على لغة من يقف على الاسم المنقوص غير المنون بحذف الياء ، وهي لغة فصيحة غير جارية على القياس ، ولكنها أوثرت من جهة التخفيف لثقل صيغة اسم الفاعل مع ثقل حرف العلة في آخر الكلمة ، ورسمت بدون ياء ; لأن شأن أواخر الكلم أن ترسم بمراعاة حال الوقف ، وأما في حال النطق في الوصل فقرأها نافع ، وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل وهو الوجه ، ولذلك كتبوا الياء في مصاحفهم باللون الأحمر ، وجعلوها أدق من بقية الحروف المرسومة [ ص: 216 ] في المصحف ; تفرقة بينها وبين ما رسمه الصحابة كتاب المصحف ، والباقون حذفوا الياء في النطق في الوصل إجراء للوصل مجرى الوقف ، وذلك - وإن كان نادرا في غير الشعر_ إلا أن الفصحاء يجرون الفواصل مجرى القوافي ، واعتبروا الفاصلة كل جملة تم بها الكلام ، كما دل عليه تمثيل سيبويه في كتابة الفاصلة بقوله تعالى والليل إذا يسر وقوله قال ذلك ما كنا نبغ ، وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال في سورة الرعد .
والخطاب في فلن تجد لهم أولياء من دونه للنبيء صلى الله عليه وسلم ; لأن هذا الكلام مسوق لتسليته على عدم استجابتهم له ، فنفي وجدان الأولياء كناية عن نفي وجود الأولياء لهم ; لأنهم لو كانوا موجودين لوجدهم هو وعرفهم .
والأولياء : الأنصار ، أي لن تجد لهم أنصارا يخلصونهم من جزاء الضلال ، وهو العذاب ، ويجوز أن يكون الأولياء بمعنى متولي شأنهم ، أي لن تجد لهم من يصلح حالهم ; فينقلهم من الضلال كقوله تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور .
وجمع ( الأولياء ) باعتبار مقابلة الجمع بالجمع ، أي لن تجد لكل واحد وليا ، ولا لجماعته ، وليا ، كما يقال : ركب القوم دوابهم .
و من دونه أي غيره .