قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .
لا شك أن لنزول هذه الآية سببا خاصا ; إذ لا موجب لذكر هذا التخيير بين دعاء الله تعالى باسمه العلم وبين دعائه بصفة الرحمن خاصة دون [ ص: 236 ] ذكر غير تلك الصفة من صفات الله مثل : الرحيم أو العزيز وغيرهما من الصفات الحسنى .
ثم لا بد بعد ذلك من طلب المناسبة ; لوقوعها في هذا الموضع من السورة .
فأما سبب نزولها ، فروى الطبري ، والواحدي عن قال : كان النبيء صلى الله عليه وسلم ساجدا يدعو يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى ، فأنزل الله تعالى ابن عباس قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، وعليه فالاقتصار على اكتفاء ، أي : أو الرحيم . التخيير في الدعاء بين اسم الله ، وبين صفة الرحمن
وفي الكشاف : عن سمع ابن عباس : أبو جهل النبيء صلى الله عليه وسلم يقول : يا الله يا رحمن ; فقال أبو جهل : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر ، وأخرجه ابن مردويه ، وهذا أنسب بالآية ; لاقتصارها على اسم الله ، وصفة الرحمن .
وأما موقعها هنا فيتعين أن يكون سبب نزولها حدث حين نزول الآية التي قبلها .
والكلام رد وتعليم بأن تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى ، وشتان بين ذلك ، وبين دعاء المشركين آلهة مختلفة الأسماء والمسميات ، والتوحيد والإشراك يتعلقان بالذوات ، لا بالأسماء .
و ( أي ) اسم استفهام في الأصل ، فإذا اقترنت بها ( ما ) الزائدة أفادت الشرط ، كما تفيده ( كيف ) إذا اقترنت بها ( ما ) الزائدة ، ولذلك جزم الفعل بعدها وهو " تدعوا " شرطا ، وجيء لها بجواب مقترن بالفاء ، وهو فله الأسماء الحسنى .
[ ص: 237 ] والتحقيق أن فله الأسماء الحسنى علة الجواب ، والتقدير : أي اسم من أسمائه تعالى تدعون فلا حرج في دعائه بعدة أسماء ; إذ له الأسماء الحسنى ، وإذ المسمى واحد .
ومعنى ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم ، أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا ، فالمسمى واحد ، وعلى هذا التفسير قد وقع تجوز في فعل " ادعوا " مستعملا في معنى ( اذكروا ) أو ( سموا ) في دعائكم .
ويجوز أن يكون الدعاء مستعملا في معنى ( سموا ) ، وهو حينئذ يتعدى إلى مفعولين ، والتقدير : سموا ربكم الله ، أو سموه الرحمن ، وحذف المفعول الأول من الفعلين ، وأبقي الثاني لدلالة المقام .