[ ص: 241 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
nindex.php?page=treesubj&link=28883_28889_32281_28880سورة الكهف .
سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الكهف .
روى
مسلم ، وأبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء عن النبيء صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342088من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وفي رواية لمسلم : من آخر الكهف ، عصم من فتنة الدجال .
ورواه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء بلفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342089من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال ، قال
الترمذي : حديث حسن صحيح .
وكذلك وردت تسميتها عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342090كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو ، وتدنو ، وجعل فرسه ينفر ، فلما أصبح أتى النبيء صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تنزلت بالقرآن .
وفي حديث أخرجه
ابن مردويه عن النبيء صلى الله عليه وسلم أنه سماها سورة أصحاب الكهف .
وهي مكية بالاتفاق كما حكاه
ابن عطية ، قال : وروي عن
فرقد أن أول السورة إلى قوله " جرزا " نزل
بالمدينة ، قال : والأول أصح .
[ ص: 242 ] وقيل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآيتين ، نزلتا
بالمدينة ، وقيل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا إلى آخر السورة نزل
بالمدينة ، وكل ذلك ضعيف ، كما سيأتي التنبيه عليه في مواضعه .
نزلت بعد سورة الغاشية ، وقبل سورة الشورى .
وهي الثامنة والستون في ترتيب نزول السور عند
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد .
وقد ورد في فضلها أحاديث متفاوتة ، أصحها الأحاديث المتقدمة وهي من السور التي نزلت جملة واحدة ، روى
الديلمي في سند الفردوس
عن أنس قال : نزلت سورة الكهف جملة ، معها سبعون ألفا من الملائكة ، وقد أغفل هذا صاحب الإتقان .
وعدت آيها في عدد قراء
المدينة ومكة مائة وخمسا ، وفي عدد
قراء الشام مائة وستا ، وفي عدد
قراء البصرة مائة وإحدى عشرة ، وفي عد
قراء الكوفة مائة وعشرا ، بناء على اختلافهم في تقسيم بعض الآيات إلى آيتين .
وسبب نزولها ما ذكره كثير من المفسرين ، وبسطه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في سيرته بدون سند ، وأسنده
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بسند فيه رجل مجهول :
أن المشركين لما أهمهم أمر النبيء صلى الله عليه وسلم ، وازدياد المسلمين معه ، وكثر تساؤل الوافدين إلى مكة من قبائل العرب عن أمر دعوته ، بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة " يثرب " ، يسألونهم رأيهم في دعوته ، وهم يطمعون أن يجد لهم الأحبار ما لم يهتدوا إليه مما يوجهون به تكذيبهم إياه ، قالوا : فإن اليهود أهل الكتاب الأول ، وعندهم من علم الأنبياء ، أي صفاتهم وعلاماتهم ، علم ليس عندنا ، فقدم النضر وعقبة إلى المدينة ، ووصفا لليهود دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم [ ص: 243 ] وأخبراهم ببعض قوله ، فقال لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث ؟ فإن أخبركم بهن فهو نبيء ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وسلوه عن الروح ما هي ، فرجع النضر ، وعقبة فأخبرا قريشا بما قاله أحبار اليهود ، فجاء جمع من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن هذه الثلاثة ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم عنه غدا ، وهو ينتظر وقت نزول الوحي عليه بحسب عادة يعلمها ، ولم يقل : إن شاء الله ، فمكث رسول الله ثلاثة أيام لا يوحى إليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : خمسة عشر يوما ، فأرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا اليوم عدة أيام لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، حتى أحزن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشق عليه ، ثم جاءه جبريل عليه السلام بسورة الكهف ، وفيها جوابهم عن الفتية وهم أهل الكهف ، وعن الرجل الطواف ، وهو ذو القرنين ، وأنزل عليه فيما سألوه من أمر الروح nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا في سورة الإسراء ، قال
السهيلي : وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق من غير طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13891البكائي أي زياد بن عبد الله البكائي الذي يروي عنه
ابن هشام أنه قال في هذا الخبر : فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو - أي الروح -
جبريل ، وهذا خلاف ما روى غيره أن يهود قالت
لقريش : سلوه عن الروح فإن أخبركم به فليس بنبيء ، وإن لم يخبركم به فهو نبيء . اهـ .
وأقول : قد يجمع بين الروايتين بأن النبيء صلى الله عليه وسلم بعد أن أجابهم عن أمر الروح بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85قل الروح من أمر ربي بحسب ما عنوه بالروح عدل بهم إلى الجواب عن أمر كان أولى لهم العلم به ، وهو الروح الذي تكرر ذكره في القرآن ، مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4والروح فيها ( وهو من ألقاب
جبريل ) على طريقة الأسلوب
[ ص: 244 ] الحكيم مع ما فيه من الإغاظة
لليهود ; لأنهم أعداء
جبريل كما أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97قل من كان عدوا لجبريل الآية ، ووضحه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام في قوله للنبيء صلى الله عليه وسلم حين ذكر
جبريل عليه السلام : ذاك عدو
اليهود من الملائكة ، فلم يترك النبيء صلى الله عليه وسلم لهم منفذا قد يلقون منه التشكيك على
قريش إلا سده عليهم .
وقد يعترضك هنا : أن الآية التي نزلت في أمر الروح هي من سورة الإسراء ، فلم تكن مقارنة للآية النازلة في شأن الفتية ، وشأن الرجل الطواف ، فماذا فرق بين الآيتين ؟ وأن سورة الإسراء يروى أنها نزلت قبل سورة الكهف ، فإنها معدودة سادسة وخمسين في عداد نزول السور ، وسورة الكهف معدودة ثامنة وستين في النزول ، وقد يجاب عن هذا بأن آية الروح قد تكون نزلت على أن تلحق بسورة الإسراء ; فإنها نزلت في أسلوب سورة الإسراء ، وعلى مثل فواصلها ، ولأن الجواب فيها جواب بتفويض العلم إلى الله ، وهو مقام يقتضي الإيجاز ، بخلاف الجواب عن
أهل الكهف ، وعن
ذي القرنين ، فإنه يستدعي بسطا وإطنابا ، ففرقت آية الروح عن القصتين .
على أنه يجوز أن يكون نزول سورة الإسراء مستمرا إلى وقت نزول سورة الكهف ، فأنزل قرآن موزع عليها وعلى سورة الكهف ، وهذا على أحد تأويلين في معنى كون الروح من أمر ربي كما تقدم في سورة الإسراء ، والذي عليه جمهور الرواة أن آية
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح مكية إلا ما روي عن ابن مسعود ، وقد علمت تأويله في سورة الإسراء .
فاتضح من هذا أن أهم غرض نزلت فيه سورة الكهف هو بيان قصة أصحاب الكهف ، وقصة
ذي القرنين ، وقد ذكرت أولاهما في أول السورة ، وذكرت الأخرى في آخرها .
كرامة قرآنية :
لوضع هذه السورة على هذا الترتيب في المصحف مناسبة حسنة ألهم الله
[ ص: 245 ] إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رتبوا المصحف ، فإنها تقارب نصف المصحف ، إذ كان في أوائلها موضع قيل هو نصف حروف القرآن ، وهو ( التاء ) من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وليتلطف وقيل : نصف حروف القرآن هو ( النون ) من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=74لقد جئت شيئا نكرا في أثنائها ، وهو نهاية خمسة عشر جزءا من أجزاء القرآن ، وذلك نصف أجزائه ، وهو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=75قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، فجعلت هذه السورة في مكان قرابة نصف المصحف .
وهي مفتتحة بالحمد حتى يكون افتتاح النصف الثاني من القرآن بـ " الحمد لله " كما كان افتتاح النصف الأول بـ " الحمد لله " ، وكما كان أول الربع الرابع منه تقريبا بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الحمد لله فاطر السماوات والأرض .
[ ص: 241 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28883_28889_32281_28880سُورَةُ الْكَهْفِ .
سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْكَهْفِ .
رَوَى
مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342088مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ ، عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ .
وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342089مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ تَسْمِيَتُهَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342090كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو ، وَتَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ .
وَفِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمَّاهَا سُورَةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ .
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ
فَرْقَدٍ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ " جُرُزًا " نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
[ ص: 242 ] وَقِيلَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الْآيَتَيْنِ ، نَزَلَتَا
بِالْمَدِينَةِ ، وَقِيلَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ ، كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ .
نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ ، وَقَبْلَ سُورَةِ الشُّورَى .
وَهِيَ الثَّامِنَةُ وَالسِتُّونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11867جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَاوِتَةٌ ، أَصَحُّهَا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، رَوَى
الدَّيْلَمِيُّ فِي سَنَدِ الْفِرْدَوْسِ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ جُمْلَةً ، مَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَقَدْ أَغْفَلَ هَذَا صَاحِبُ الْإِتْقَانِ .
وَعُدَّتْ آيُهَا فِي عَدَدِ قُرَّاءِ
الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِائَةً وَخَمْسًا ، وَفِي عَدَدِ
قُرَّاءِ الشَّامِ مِائَةً وَسِتًّا ، وَفِي عَدَدِ
قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ مِائَةً وَإِحْدَى عَشْرَةَ ، وَفِي عَدِّ
قُرَّاءِ الْكُوفَةِ مِائَةً وَعَشْرًا ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْسِيمِ بَعْضِ الْآيَاتِ إِلَى آيَتَيْنِ .
وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَبَسَطَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ بِدُونِ سَنَدٍ ، وَأَسْنَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ :
أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَازْدِيَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ ، وَكَثُرَ تَسَاؤُلُ الْوَافِدِينَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ عَنْ أَمْرِ دَعْوَتِهِ ، بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ " يَثْرِبَ " ، يَسْأَلُونَهُمْ رَأْيَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ ، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَجِدَ لَهُمُ الْأَحْبَارُ مَا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مِمَّا يُوَجِّهُونَ بِهِ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ ، قَالُوا : فَإِنَّ الْيَهُودَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ ، أَيْ صِفَاتِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ ، عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا ، فَقَدِمَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَوَصَفَا لِلْيَهُودِ دَعْوَةَ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 243 ] وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ : سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيءٌ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هِيَ ، فَرَجَعَ النَّضْرُ ، وَعُقْبَةُ فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا بِمَا قَالَهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ ، فَجَاءَ جَمْعٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ وَقْتَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ عَادَةٍ يَعْلَمُهَا ، وَلَمْ يَقُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُوحَى إِلَيْهِ ، وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَأَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَالُوا : وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ عِدَّةَ أَيَّامٍ لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ ، حَتَّى أَحْزَنَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَقَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسُورَةِ الْكَهْفِ ، وَفِيهَا جَوَابُهُمْ عَنِ الْفِتْيَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْكَهْفِ ، وَعَنِ الرَّجُلِ الطَّوَّافِ ، وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ مِنْ أَمْرِ الرُّوحِ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13891الْبَكَّائِيِّ أَيْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ
ابْنُ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ : فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ - أَيِ الرُّوحُ -
جِبْرِيلُ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَى غَيْرُهُ أَنَّ يَهُودَ قَالَتْ
لِقُرَيْشٍ : سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيءٍ ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِهِ فَهُوَ نَبِيءٌ . اهـ .
وَأَقُولُ : قَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَجَابَهُمْ عَنْ أَمْرِ الرُّوحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي بِحَسَبِ مَا عَنَوْهُ بِالرُّوحِ عَدَلَ بِهِمْ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ أَمْرٍ كَانَ أَوْلَى لَهُمُ الْعِلْمُ بِهِ ، وَهُوَ الرُّوحُ الَّذِي تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4وَالرُّوحُ فِيهَا ( وَهُوَ مِنْ أَلْقَابِ
جِبْرِيلَ ) عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ
[ ص: 244 ] الْحَكِيمِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِغَاظَةِ
لِلْيَهُودِ ; لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ
جِبْرِيلَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الْآيَةَ ، وَوَضَّحَهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فِي قَوْلِهِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ذَاكَ عَدُوُّ
الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَلَمْ يَتْرُكِ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَنْفَذًا قَدْ يُلْقُونَ مِنْهُ التَّشْكِيكَ عَلَى
قُرَيْشٍ إِلَّا سَدَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَقَدْ يَعْتَرِضُكَ هُنَا : أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الرُّوحِ هِيَ مِنْ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، فَلَمْ تَكُنْ مُقَارِنَةً لِلْآيَةِ النَّازِلَةِ فِي شَأْنِ الْفِتْيَةِ ، وَشَأْنِ الرَّجُلِ الطَّوَّافِ ، فَمَاذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ ؟ وَأَنَّ سُورَةَ الْإِسْرَاءِ يُرْوَى أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ سَادِسَةً وَخَمْسِينَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ ، وَسُورَةُ الْكَهْفِ مَعْدُودَةٌ ثَامِنَةً وَسِتِّينَ فِي النُّزُولِ ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ آيَةَ الرُّوحِ قَدْ تَكُونُ نَزَلَتْ عَلَى أَنْ تُلْحَقَ بِسُورَةِ الْإِسْرَاءِ ; فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُسْلُوبِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، وَعَلَى مِثْلِ فَوَاصَلِهَا ، وَلِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا جَوَابٌ بِتَفْوِيضِ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ ، وَهُوَ مَقَامٌ يَقْتَضِي الْإِيجَازَ ، بِخِلَافِ الْجَوَابِ عَنْ
أَهْلِ الْكَهْفِ ، وَعَنْ
ذِي الْقَرْنَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي بَسْطًا وَإِطْنَابًا ، فَفَرَّقَتْ آيَةُ الرُّوحِ عَنِ الْقِصَّتَيْنِ .
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ مُسْتَمِرًّا إِلَى وَقْتِ نُزُولِ سُورَةِ الْكَهْفِ ، فَأُنْزِلَ قُرْآنٌ مُوَزَّعٌ عَلَيْهَا وَعَلَى سُورَةِ الْكَهْفِ ، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِي مَعْنَى كَوْنِ الرُّوحِ مِنْ أَمْرِ رَبِّي كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ أَنَّ آيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ مَكِّيَّةٌ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَدْ عَلِمْتَ تَأْوِيلَهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ .
فَاتَّضَحَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَهَمَّ غَرَضٍ نَزَلَتْ فِيهِ سُورَةُ الْكَهْفِ هُوَ بَيَانُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَقِصَّةِ
ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَقَدْ ذُكِرَتْ أُولَاهُمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَذُكِرَتِ الْأُخْرَى فِي آخِرِهَا .
كَرَامَةٌ قُرْآنِيَّةٌ :
لِوَضْعِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْمُصْحَفِ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ أَلْهَمَ اللَّهُ
[ ص: 245 ] إِلَيْهَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَتَّبُوا الْمُصْحَفَ ، فَإِنَّهَا تُقَارِبُ نِصْفَ الْمُصْحَفِ ، إِذْ كَانَ فِي أَوَائِلِهَا مَوْضِعٌ قِيلَ هُوَ نِصْفُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ ( التَّاءُ ) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَلْيَتَلَطَّفْ وَقِيلَ : نِصْفُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ هُوَ ( النُّونُ ) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=74لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا فِي أَثْنَائِهَا ، وَهُوَ نِهَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ ، وَذَلِكَ نِصْفُ أَجْزَائِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=75قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ، فَجُعِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي مَكَانِ قُرَابَةِ نِصْفِ الْمُصْحَفِ .
وَهِيَ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ حَتَّى يَكُونَ افْتِتَاحُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الْقُرْآنِ بِـ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " كَمَا كَانَ افْتِتَاحُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِـ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " ، وَكَمَا كَانَ أَوَّلُ الرُّبُعِ الرَّابِعِ مِنْهُ تَقْرِيبًا بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .