فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد استئناف ثان ، انتقل به من التنويه بسعة علم الله تعالى وأنه لا يعجزه أن يوحي إلى رسوله بعلم كل ما يسأل عن الإخبار به . إلى إعلامهم بأن الرسول لم يبعث للإخبار عن الحوادث الماضية والقرون الخالية . ولا أن من مقتضى الرسالة أن يحيط علم الرسول بالأشياء فيتصدى للإجابة عن أسئلة تلقى إليه ، ولكنه بشر علمه كعلم البشر أوحى إليه بما شاء إبلاغه عباده من التوحيد والشريعة . ولا [ ص: 55 ] علم له إلا ما علمه ربه كما قال تعالى قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي . فالحصر في قوله إنما أنا بشر مثلكم قصر الموصوف على الصفة وهو إضافي للقلب . أي ما أنا إلا بشر لا أتجاوز البشرية إلى العلم بالمغيبات .
وأدمج في هذا أهم ما يوحى إليه وما بعث لأجله وهو توحيد الله والسعي لما فيه السلامة عند لقاء الله تعالى . وهذا من رد العجز على الصدر من قوله في أول السورة لينذر بأسا شديدا من لدنه إلى قوله إن يقولون إلا كذبا . وجملة يوحى إلي مستأنفة . أو صفة ثانية لـ " بشر " 0 . و ( أنما ) مفتوحة الهمزة أخت إنما المكسورة الهمزة وهي مركبة من ( أن ) المفتوحة الهمزة و ( ما ) الكافة كما ركبت إنما المكسورة الهمزة فتفيد ما تفيده ( أن ) المفتوحة من المصدرية ، وما تفيده إنما من الحصر ، والحصر المستفاد منها هنا قصر إضافي للقلب .
والمعنى : يوحي الله إلي توحيد الإله وانحصار وصفه في صفة الوحدانية دون المشاركة .
وتفريع فمن كان يرجو لقاء ربه هو من جملة الموحى به إليه . أي يوحى إلي بوحدانية الإله وبإثبات البعث وبالأعمال الصالحة .
فجاء النظم بطريقة بديعة في إفادة الأصول الثلاثة ، إذ جعل التوحيد أصلا لها وفرع عليه الأصلان الآخران ، وأكد الإخبار بالوحدانية بالنهي عن الإشراك بعبادة الله تعالى . وحصل مع ذلك رد العجز على الصدر وهو أسلوب بديع .