[ ص: 193 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28991_31907وهل أتاك حديث موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى .
أعقب تثبيت الرسول على التبليغ والتنويه بشأن القرآن بالنسبة إلى من أنزله ومن أنزل عليه بذكر قصة
موسى - عليه السلام - ليتأسى به في الصبر على تحمل أعباء الرسالة ومقاساة المصاعب . وتسلية له بأن الذين كذبوه سيكون جزاؤهم جزاء من سلفهم من المكذبين ، ولذلك جاء في عقب قصة
موسى قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه ) . وجاء بعد ذكر قصة
آدم وأنه لم يكن له عزم (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فاصبر على ما يقولون ) الآيات .
فجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وهل أتاك حديث موسى ) عطف على جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) . الغرض هو مناسبة العطف كما تقدم قريبا وهذه القصة تقدم بعضها في سورة الأعراف وسورة يونس .
والاستفهام مستعمل في التشويق إلى الخبر مجازا وليس مستعملا في حقيقته سواء كانت هذه القصة قد قصت على النبيء - صلى الله عليه وسلم - من قبل أم كان هذا أول قصصها عليه . وفي قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إذ رأى نارا ) زيادة في التشويق كما يأتي قريبا .
وأوثر حرف ( هل ) في هذا المقام لما فيه من معنى التحقيق لأن ( هل ) في الاستفهام مثل ( قد ) في الإخبار .
والحديث : الخبر . وهو اسم للكلام الذي يحكى به أمر حدث في الخارج ، ويجمع على أحاديث على غير قياس . قال
الفراء : " واحد
[ ص: 194 ] الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث " اهـ . يعني استغنوا به عن صيغة فعلاء .
و ( إذ ) ظرف للحديث . وقد تقدم نظائره . وخص هذا الظرف بالذكر لأنه يزيد تشويقا إلى استعلام كنه الخبر ، لأن رؤية النار تحتمل أحوالا كثيرة . ورؤية النار تدل على أن ذلك كان بليل ، وأنه كان بحاجة إلى النار ، ولذلك فرع عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10فقال لأهله امكثوا ) إلخ .
والأهل : الزوج والأولاد . وكانوا معه بقرينة الجمع في قوله امكثوا . وفي سفر الخروج من التوراة فأخذ
موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض
مصر .
وقرأ الجمهور بكسر هاء ضمير أهله على الأصل . وقرأه
حمزة ، وخلف بضم الهاء تبعا لضمة همزة الوصل في ( امكثوا ) .
والإيناس : الإبصار البين الذي لا شبهة فيه .
وتأكيد الخبر ب إن لقصد الاهتمام به بشارة لأهله إذ كانوا في الظلمة .
والقبس : ما يؤخذ اشتعاله من اشتعال شيء ويقبس ، كالجمرة من مجموع الجمر والفتيلة ونحو ذلك ، وهذا يقتضي أنه كان في ظلمة ولم يجد ما يقتدح به . وقيل : اقتدح زنده فصلد ، أي لم يقدح .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10أو أجد على النار هدى ) : أو ألقى عارفا بالطريق قاصدا السير فيما أسير فيه فيهديني إلى السبيل . قيل : كان
موسى قد خفي عليه الطريق من شدة الظلمة وكان يحب أن يسير ليلا .
[ ص: 195 ] و ( أو ) هنا للتخيير ، لأن إتيانه بقبس أمر محقق ، فهو إما أن يأخذ القبس لا غير . وإما أن يزيد فيجد صاحب النار قاصدا الطريق مثله فيصحبه .
وحرف ( على ) في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10أو أجد على النار هدى ) مستعمل في الاستعلاء المجازي ، أي شدة القرب من النار قربا أشبه الاستعلاء ، وذلك أن مشعل النار يستدني منها للاستنارة بضوئها أو للاصطلاء بها . قال
الأعشى :
وبات على النار الندى والمحلق
وأراد بالهدى صاحب الهدى .
وقد أجرى الله على لسان
موسى معنى هذه الكلمة إلهاما إياه أنه سيجد عند تلك النار هدى عظيما ، ويبلغ قومه منه ما فيه نفعهم .
وإظهار النار
لموسى رمز رباني لطيف ؛ إذ جعل اجتلابه لتلقي الوحي باستدعاء بنور في ظلمة رمزا على أنه سيتلقى ما به إنارة ناس بدين صحيح بعد ظلمة الضلال وسوء الاعتقاد .
[ ص: 193 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28991_31907وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّيَ آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّيَ آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى .
أَعْقَبَ تَثْبِيتَ الرَّسُولِ عَلَى التَّبْلِيغِ وَالتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ قِصَّةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَتَأَسَّى بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَمُقَاسَاةِ الْمَصَاعِبِ . وَتَسْلِيَةً لَهُ بِأَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ سَيَكُونُ جَزَاؤُهُمْ جَزَاءَ مَنْ سَلَفَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي عَقِبِ قِصَّةِ
مُوسَى قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ ) . وَجَاءَ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ
آدَمَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) الْآيَاتِ .
فَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) . الْغَرَضُ هُوَ مُنَاسِبَةُ الْعَطْفِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَهَذِهِ الْقِصَّةُ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ يُونُسَ .
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّشْوِيقِ إِلَى الْخَبَرِ مَجَازًا وَلَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ قُصَّتْ عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَبْلُ أَمْ كَانَ هَذَا أَوَّلَ قَصَصِهَا عَلَيْهِ . وُفِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إِذْ رَأَى نَارًا ) زِيَادَةٌ فِي التَّشْوِيقِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا .
وَأُوثِرَ حَرْفُ ( هَلْ ) فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّ ( هَلْ ) فِي الِاسْتِفْهَامِ مِثْلُ ( قَدْ ) فِي الْإِخْبَارِ .
وَالْحَدِيثُ : الْخَبَرُ . وَهُوَ اسْمٌ لِلْكَلَامِ الَّذِي يُحْكَى بِهِ أَمْرٌ حَدَثَ فِي الْخَارِجِ ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَحَادِيثَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : " وَاحِدُ
[ ص: 194 ] الْأَحَادِيثِ أُحْدُوثَةٌ ثُمَّ جَعَلُوهُ جَمْعًا لِلْحَدِيثِ " اهـ . يَعْنِي اسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ صِيغَةِ فَعْلَاءَ .
وَ ( إِذْ ) ظَرْفٌ لِلْحَدِيثِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ . وَخُصَّ هَذَا الظَّرْف بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ تَشْوِيقًا إِلَى اسْتِعْلَامِ كُنْهِ الْخَبَرِ ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّارِ تَحْتَمِلُ أَحْوَالًا كَثِيرَةً . وَرُؤْيَةُ النَّارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِلَيْلٍ ، وَأَنَّهُ كَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى النَّارِ ، وَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ) إِلَخْ .
وَالْأَهْلُ : الزَّوْجُ وَالْأَوْلَادُ . وَكَانُوا مَعَهُ بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ امْكُثُوا . وَفِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ فَأَخَذَ
مُوسَى امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ
مِصْرَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ هَاءِ ضَمِيرِ أَهْلِهِ عَلَى الْأَصْلِ . وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ ، وَخَلَفٌ بِضَمِّ الْهَاءِ تَبَعًا لِضَمَّةِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي ( امْكُثُوا ) .
وَالْإِينَاسُ : الْإِبْصَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ بِشَارَةً لِأَهْلِهِ إِذْ كَانُوا فِي الظُّلْمَةِ .
وَالْقَبَسُ : مَا يُؤْخَذُ اشْتِعَالُهُ مِنِ اشْتِعَالِ شَيْءٍ وَيُقْبَسُ ، كَالْجَمْرَةِ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَمْرِ وَالْفَتِيلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَقْتَدِحُ بِهِ . وَقِيلَ : اقْتَدَحَ زَنْدَهُ فَصَلُدَ ، أَيْ لَمْ يَقْدَحْ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) : أَوْ أَلْقَى عَارِفًا بِالطَّرِيقِ قَاصِدًا السَّيْرَ فِيمَا أَسِيرُ فِيهِ فَيَهْدِينِي إِلَى السَّبِيلِ . قِيلَ : كَانَ
مُوسَى قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسِيرَ لَيْلًا .
[ ص: 195 ] وَ ( أَوْ ) هُنَا لِلتَّخْيِيرِ ، لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِقَبَسٍ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْقَبَسَ لَا غَيْرَ . وَإِمَّا أَنْ يَزِيدَ فَيَجِدَ صَاحِبَ النَّارِ قَاصِدًا الطَّرِيقَ مِثْلَهُ فَيَصْحَبَهُ .
وَحَرْفُ ( عَلَى ) فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ ، أَيْ شِدَّةُ الْقُرْبِ مِنَ النَّارِ قُرْبًا أَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ ، وَذَلِكَ أَنَّ مُشْعِلَ النَّارِ يَسْتَدْنِي مِنْهَا لِلِاسْتِنَارَةِ بِضَوْئِهَا أَوْ لِلِاصْطِلَاءِ بِهَا . قَالَ
الْأَعْشَى :
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ
وَأَرَادَ بِالْهُدَى صَاحِبَ الْهُدَى .
وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ
مُوسَى مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلْهَامًا إِيَّاهُ أَنَّهُ سَيَجِدُ عِنْدَ تِلْكَ النَّارِ هُدًى عَظِيمًا ، وَيُبَلِّغُ قَوْمَهُ مِنْهُ مَا فِيهِ نَفْعُهُمْ .
وَإِظْهَارُ النَّارِ
لِمُوسَى رَمْزٌ رَبَّانِيٌّ لَطِيفٌ ؛ إِذْ جَعَلَ اجْتِلَابَهُ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ بِاسْتِدْعَاءٍ بِنُورٍ فِي ظُلْمَةٍ رَمْزًا عَلَى أَنَّهُ سَيَتَلَقَّى مَا بِهِ إِنَارَةُ نَاسٍ بِدِينٍ صَحِيحٍ بَعْدَ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ .