يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب موسى وهارون . فيقتضي أن هارون كان حاضرا لهذا الخطاب . وهو ظاهر قوله بعده ( قالا ربنا إننا نخاف ) .
وكان حضور هارون عند موسى بوحي من الله أوحاه إلى هارون في أرض ( جاسان ) حيث منازل بني إسرائيل من أرض قرب طيبة .
قال في التوراة وفي الإصحاح الرابع من سفر الخروج وقال أي الله هاهو هارون خارجا لاستقبالك فتكلمه أيضا . وفيه أيضا : وقال الرب لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقيا في جبل الله أي جبل حوريب ، فيكون قد طوي ما حدث بين تكليم الله تعالى موسى في الوادي عند النار وما بين وصول موسى مع أهله إلى جبل حوريب في طريقه إلى أرض مصر ، ويكون قوله ( قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ ، جوابا عن قول الله تعالى لهما ( اذهبا إلى فرعون ) إلخ . ويكون فصل جملة ( قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ . . لوقوعها في أسلوب المحاورة .
ويجوز أن تكون جملة ( اذهبا إلى فرعون ) بدلا من جملة ( اذهب أنت وأخوك ) ، فيكون قوله ( اذهبا ) أمرا لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه وهارون غائب . وهذا أنسب لسياق الجمل . وتكون جملة ( قالا ربنا إننا نخاف ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، وقد طوي ما بين خطاب الله موسى وما بين حكاية ( قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ . والتقدير : فذهب موسى ولقي أخاه هارون ، وأبلغه أمر الله له بما أمره ، فقالا ربنا إننا نخاف إلخ . .
وجملة إنه طغى تعليل للأمر بأن يذهبا إليه . فعلم أنه لقصد كفه عن طغيانه .
[ ص: 225 ] وفعل طغى رسم في المصحف آخره ألفا ممالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنه من طغي مثل رضي . ويجوز فيه الواو فيقال : يطغو مثل يدعو .
: الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلم للمخاطب أن له من سداد الرأي ما يتقبل به الحق ويميز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله . والقول اللين
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء اللين .
واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليه ، وضد اللين الخشونة . ويستعار اللين لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :
فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا
، قال تعالى ( واللين من شعار الدعوة إلى الحق وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) . ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى ( فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ) وقوله ( والسلام على من اتبع الهدى ) ، إذ حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى . فإذا لم ينفع اللين مع المدعو وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى ( المقصود من دعوة الرسل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ، وقال تعالى عن موسى ( إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) .
والترجي المستفاد من لعل ؛ إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاما لموسى وفرعون بأن يرجو ذلك ، [ ص: 226 ] فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعله يصادفك تيسير ، وأنت لا تريد أنك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرة .
والتذكر : من الذكر - بضم الذال - أي النظر ، أي لعله ينظر نظر المتبصر فيعرف الحق أو يخشى حلول العقاب به فيطيع عن خشية . لا عن تبصر . وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق . فالتذكير : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشية : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى .
وهنا انتهى تكليم الله تعالى موسى - عليه السلام - .