فاتبعوني وأطيعوا أمري ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى
الجملة في موضع الحال من ضمير " أفلا يرون " على كلا الاحتمالين ، أي كيف لا يستدلون على عدم استحقاق العجل الإلهية ، بأنه لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فيقلعون عن عبادة العجل ، [ ص: 290 ] وتلك دلالة عقلية في حال أن هارون قد وعظهم ونبههم إلى ذلك ، إذ ذكرهم بأنه فتنة فتنهم بها السامري ، وأن ربهم هو الرحمن لا ما لا يملك لهم نفعا فضلا عن الرحمة ، وأمرهم بأن يتبعوا أمره ، وتلك دلالة سمعية .
وتأكيد الخبر بحرف التحقيق ولام القسم لتحقيق هارون هو الذي صنع لهم العجل ، وأنه لم ينكر عليهم عبادته . وغاية الأمر أنه كان يستهزئ بهم في نفسه ، وذلك إفك عظيم في كتابهم . إبطال ما في كتاب اليهود من أن
والمضاف إليه " قبل " محذوف دل عليه المقام ، أي من قبل أن يرجع إليهم موسى وينكر عليهم . وافتتاح خطابه بـ " يا قوم " تمهيد لمقام النصيحة .
ومعنى إنما فتنتم به : ما هو إلا فتنة لكم ، وليس ربا ، وإن ربكم الرحمن الذي يرحمكم في سائر الأحوال ، فأجابوه بأنهم لا يزالون عاكفين على عبادته حتى يرجع موسى فيصرح لهم بأن ذلك العجل ليس هو ربهم .
ورتب هارون خطابه على حسب الترتيب الطبيعي ؛ لأنه ابتدأه بزجرهم عن الباطل وعن عبادة ما ليس برب ، ثم دعاهم إلى معرفة الرب الحق ، ثم دعاهم إلى اتباع الرسول ؛ إذ كان رسولا بينهم ، ثم دعاهم إلى العمل بالشرائع ، فما كان منهم إلا التصميم على استمرار عبادتهم العجل ، فأجابوا هارون جوابا جازما .
و " عليه " متعلق بـ " عاكفين " قدم على متعلقه ؛ لتقوية الحكم ، أو أرادوا : لن نبرح نخصه بالعكوف لا نعكف على غيره .
والعكوف : الملازمة بقصد القربة والتعبد ، وكان عبدة الأصنام يلزمونها ويطوفون بها .