بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون
" بل " للإضراب عن اتخاذ اللهو وعن أن يكون الخلق لعبا ، إضراب إبطال وارتقاء ، أي بل نحن نعمد إلى باطلكم فنقذف بالحق عليه كراهية للباطل بله أن نعمل عملا هو باطل ولعب .
[ ص: 34 ] والقذف حقيقته : رمي جسم على جسم . واستعير هنا لإيراد ما يزيل ويبطل الشيء من دليل أو زجر أو إعدام أو تكوين ما يغلب ؛ لأن ذلك مثل رمي الجسم المبطل بشيء يأتي عليه ليتلفه أو يشتته ، فالله يبطل الباطل بالحق بأن يبين للناس بطلان الباطل على لسان رسله ، وبأن أوجد في عقولهم إدراكا للتميز بين الصلاح والفساد ، وبأن يسلط بعض عباده على المبطلين لاستئصال المبطلين ، وبأن يخلق مخلوقات يسخرها لإبطال الباطل ، قال تعالى : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب في سورة الأنفال .
والدمغ : كسر الجسم الصلب الأجوف ، وهو هنا ترشيح لاستعارة القذف لإيراد ما يبطل ، وهو استعارة أيضا حيث استعير الدمغ لمحق الباطل وإزالته كما يزيل القذف الجسم المقذوف ، فالاستعارتان من استعارة المحسوسين للمعقولين .
ودل حرف المفاجأة على سرعة محق الحق الباطل عند وروده ؛ لأن للحق صولة ، فهو سريع المفعول إذا ورد ووضح ، قال تعالى : أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا إلى قوله تعالى : كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض في سورة الرعد .
والزاهق : المنفلت من موضعه والهالك ، وفعله كسمع وضرب ، والمصدر : الزهوق . وتقدم في قوله تعالى : وتزهق أنفسهم وهم كافرون في سورة براءة ، وقوله تعالى : إن الباطل كان زهوقا في سورة الإسراء .
وعندما انتهت مقارعتهم بالحجج الساطعة لإبطال قولهم في الرسول وفي القرآن ابتداء من قوله تعالى : وأسروا النجوى الذين ظلموا إلى قوله تعالى : كما أرسل الأولون وما تخلل ذلك من المواعظ والقوارع [ ص: 35 ] والعبر - ختم الكلام بشتمهم وتهديدهم بقوله تعالى : ولكم الويل مما تصفون ، أي مما تصفون به محمدا - صلى الله عليه وسلم - والقرآن .
والويل : كلمة دعاء بسوء ، وفيها في القرآن توجيه ؛ لأن الويل اسم للعذاب .