وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون
عنيت الآيات من أول السورة باستقصاء مطاعن المشركين في القرآن ومن جاء به بقولهم : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ، وقولهم : أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ، وكان من جملة أمانيهم لما أعياهم اختلاق المطاعن أن كانوا يتمنون موت محمد - صلى الله عليه وسلم - أو يرجونه أو يدبرونه قال تعالى : أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون في سورة الطور وقال تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك في الأنفال ، وقد دل على أن هؤلاء هم المقصود من الآية قوله تعالى : أفإن مت فهم الخالدون فلما كان تمنيهم موته وتربصهم به ريب المنون [ ص: 63 ] يقتضي أن الذين تمنوا ذلك وتربصوا به كأنهم واثقون بأنهم يموتون بعده فتتم شماتتهم ، أو كأنهم لا يموتون أبدا فلا يشمت بهم أحد - وجه إليهم استفهام الإنكار على طريقة التعريض بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم خالدون .
وفي الآية إيماء إلى أن الذين لم يقدر الله لهم الإسلام ممن قالوا ذلك القول سيموتون قبل موت النبيء - صلى الله عليه وسلم - فلا يشمتون به ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى أهلك الله رءوس الذين عاندوه وهدى بقيتهم إلى الإسلام . ففي قوله تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد طريقة القول بالموجب ، أي أنك تموت كما قالوا ، ولكنهم لا يرون ذلك ، وهم بحال من يزعمون أنهم مخلدون فأيقنوا بأنهم يتربصون بك ريب المنون من فرط غرورهم ، فالتفريع كان على ما في الجملة الأولى من القول بالموجب ، أي ما هم بخالدين حتى يوقنوا أنهم يرون موتك . وفي الإنكار الذي هو في معنى النفي إنذار لهم بأنهم لا يرى موته منهم أحد .