nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28992_29468_30358_30365ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
يجوز أن تكون الواو عاطفة هذه الجملة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=46ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك إلخ ؛ لمناسبة قولهم " إنا كنا ظالمين " ؛ ولبيان أنهم مجازون على جميع ما أسلفوه من الكفر وتكذيب الرسول بيانا بطريق ذكر العموم بعد الخصوص في المجازين ، فشابه التذييل من أجل عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فلا تظلم نفس شيئا ، وفي المجازى عليه من أجل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها .
ويجوز أن تكون الواو للحال من قوله : " ربك " ، وتكون نون المتكلم المعظم التفاتا لمناسبة الجزاء للأعمال كما يقال :
[ ص: 81 ] أدى إليه الكيل صاعا بصاع ، ولذلك فرع عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فلا تظلم نفس شيئا .
ويجوز أن تكون الجملة معترضة وتكون الواو اعتراضية . والوضع حقيقته : حط الشيء ونصبه في مكان ، وهو ضد الرفع ، ويطلق على صنع الشيء وتعيينه للعمل به ، وهو في ذلك مجاز .
والميزان : اسم آلة الوزن ، وله كيفيات كثيرة تختلف باختلاف العوائد ، وهي تتحد في كونها ذات طبقين متعادلين في الثقل يسميان كفتين - بكسر الكاف وتشديد الفاء - تكونان من خشب أو من حديد ، وإذا كانتا من صفر سميتا صنجتين - بصاد مفتوحة ونون ساكنة - معلق كل طبق بخيوط في طرف يجمعهما عود من حديد أو خشب صلب ، في طرفيه عروتان يشد بكل واحدة منهما طبق من الطبقين يسمى ذلك العود " شاهين " وهو موضوع ممدودا ، وتجعل بوسطه على السواء عروة لتمسكه منها يد الوازن ، وربما جعلوا تلك العروة مستطيلة من معدن وجعلوا فيها إبرة غليظة من المعدن منوطة بعروة صغيرة من معدن مصوغة في وسط الشاهين ، فإذا ارتفع الشاهين تحركت تلك الإبرة فإذا ساوت وسط العروة الطويلة على سواء عرف اعتدال الوزن ، وإن مالت عرف عدم اعتداله ، وتسمى تلك الإبرة لسانا ، فإذا أريد وزن شيئين ليعلم أنهما مستويان أو أحدهما أرجح - وضع كل واحد منهما في كفة ، فالتي وضع فيها الأثقل منهما تنزل والأخرى ذات الأخف ترتفع وإن استويتا فالموزونان مستويان ، وإذا أريد معرفة ثقل شيء في نفسه دون نسبته إلى شيء آخر جعلوا قطعا من معدن : صفر أو نحاس أو حديد أو حجر ذات مقادير مضبوطة مصطلح عليها مثل الدرهم والأوقية والرطل ، فجعلوها تقديرا لثقل الموزون ليعلم مقدار ما فيه ؛ لدفع الغبن في التعاوض ، ووحدتها هو المثقال ، ويسمى السنج - بفتح السين المهملة وسكون النون بعدها جيم .
[ ص: 82 ] و " القسط " - بكسر القاف وسكون السين - اسم المفعول ، وهو مصدر وفعله أقسط - مهموزا - وتقدم في قوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط " في سورة " آل عمران " .
وقد اختلف علماء السلف في المراد من الموازين هنا : أهو الحقيقة أم المجاز ، فذهب الجمهور إلى أنه حقيقة ، وأن الله يجعل في يوم الحشر موازين لوزن أعمال العباد تشبه الميزان المتعارف ، فمنهم من ذهب إلى أن لكل أحد من العباد ميزانا خاصا به توزن به أعماله ، وهو ظاهر صيغة الجمع في هذه الآية وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=6فأما من ثقلت موازينه nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=7فهو في عيشة راضية في سورة القارعة .
ومنهم من ذهب إلى أنه ميزان واحد توزن فيه أعمال العباد واحدا فواحدا ، وأنه بيد
جبريل ، وعليه فالجمع باعتبار ما يوزن فيها ؛ ليوافق الآثار الواردة في أنه ميزان عام .
واتفق الجميع على أنه مناسب لعظمة ذلك لا يشبه ميزان الدنيا ، ولكنه على مثاله تقريبا ، وعلى هذا التفسير يكون الوضع مستعملا في معناه الحقيقي وهو النصب والإرصاد .
وذهب
مجاهد وقتادة والضحاك ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28770الميزان الواقع في القرآن مثل للعدل في الجزاء كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق في سورة الأعراف ، ومال إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري . قال في " الكشاف " : الموازين : الحساب السوي والجزاء على الأعمال بالنصفة من غير أن يظلم أحد . اهـ .
أي فهو مستعار للعدل في الجزاء لمشابهته للميزان في ضبط العدل في المعاملة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا معهم الكتاب والميزان .
والوضع : ترشيح ومستعار للظهور .
وذهب
الأشاعرة إلى أخذ الميزان على ظاهره .
[ ص: 83 ] وللمعتزلة في ذلك قولان : ففريق قالوا : الميزان حقيقة ، وفريق قالوا : هو مجاز ، وقد ذكر القولين في " الكشاف " فدل صنيعه على أن القولين جاريان على أقوال أئمتهم ، وصرح به في " تقرير المواقف " .
وفي المقاصد : ونسبة القول بانتفاء حقيقة الميزان إلى
المعتزلة على الإطلاق قصور من بعض المتكلمين . اهـ .
قلت : لعله أراد به
النسفي في عقائده .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في كتاب " العواصم من القواصم " : انفرد القرآن بذكر الميزان ، وتفردت السنة بذكر الصراط والحوض ، فلما كان هذا الأمر هكذا اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : إن الأعمال توزن حقيقة في ميزان له كفتان وشاهين ، وتجعل في الكفتين صحائف الحسنات والسيئات ، ويخلق الله الاعتماد فيها على حسب علمه بها ، ومنهم من قال : إنما يرجع الخبر عن الوزن إلى تعريف الله العباد بمقادير أعمالهم . ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره عن
مجاهد أنه كان يميل إلى هذا .
وليس بممتنع أن يكون الميزان والوزن على ظاهره ، وإنما يبقى النظر في كيفية وزن الأعمال وهي أعراض فها هنا يقف من وقف ويمشي على هذا من مشى ; فمن كان رأيه الوقوف فمن الأول ينبغي أن يقف ، ومن أراد المشي ليجدن سبيلا مئتاء ؛ إذ يجد ثلاثة معان : ميزانا ووزنا وموزونا ، فإذا مشى في طريق الميزان والوزن ووجده صحيحا في كل لفظة ، حتى إذا بلغ تمييز الموزون ولم يتبين له لا ينبغي أن يرجع القهقرى ، فيبطل ما قد أثبت بل يبقي ما تقدم على حقيقته وصحته ويسعى في تأويل هذا وتبيينه . اهـ .
[ ص: 84 ] وقلت : كلا القولين مقبول والكل متفقون على أن أسماء أحوال الآخرة إنما هي تقريب لنا بمتعارفنا والله تعالى قادر على كل شيء ، وليس بمثل هذه المباحث تعرف قدرة الله تعالى ولا بالقياس على المعتاد المتعارف تجحد تصرفاته تعالى .
ويظهر لي أن التزام صيغة جمع الموازين في الآيات الثلاث التي ذكر فيها الميزان يرجح أن المراد بالوزن فيها معناه المجازي ، وأن بيانه بقوله : " القسط " في هذه الآية يزيد ذلك ترجيحا .
وتقدم ذكر الوزن في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق في سورة الأعراف .
والقسط : العدل ، ويقال : القسطاس ، وهو كلمة معربة من اللغة الرومية " اللاتينية " .
وقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في آخر صحيحه ذلك عن
مجاهد .
فعلى اعتبار جعل الموازين حقيقة في آلات وزن في الآخرة يكون لفظ القسط الذي هو مصدر بمعنى العدل للموازين ، على تقدير مضاف ، أي ذات القسط . وعلى اعتبار في الموازين في العدل يكون لفظ القسط بدلا من الموازين ، فيكون تجريدا بعد الترشيح . ويجوز أن يكون مفعولا لأجله ، فإنه مصدر صالح لذلك .
واللام في قوله تعالى : " ليوم القيامة " تحتمل أن تكون للعلة مع تقدير مضاف ، أي لأجل يوم القيامة ، أي الجزاء في يوم القيامة ، وتحتمل أن تكون للتوقيت بمعنى " عند " التي هي للظرفية الملاصقة كما يقال : كتب لثلاث خلون من شهر كذا ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فطلقوهن لعدتهن أي نضع الموازين عند يوم القيامة .
[ ص: 85 ] وتفريع
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فلا تظلم نفس شيئا على وضع الموازين تفريع العلة على المعلول أو المعلول على العلة . والظلم : ضد العدل ؛ ولذلك فرع نفيه على إثبات وضع العدل ، و " شيئا " منصوب على المفعولية المطلقة ، أي شيئا من الظلم ، ووقوعه في سياق النفي دل على تأكيد العموم ، أي شيئا من الظلم . ووقوعه في سياق النفي دل على تأكيد العموم من فعل " تظلم " الواقع أيضا في سياق النفي ، أي لا تظلم بنقص من خير استحقته ولا بزيادة شيء لم تستحقه ، فالظلم صادق بالحالين والشيء كذلك .
وهذه الجملة كلمة جامعة لمعان عدة مع إيجاز لفظها ، فنفي جنس الظلم ونفي عن كل نفس ، فأفاد أن لا بقاء لظلم بدون جزاء .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وإن كان مثقال حبة من خردل في موضع الحال ، و " إن " وصلية دالة على أن مضمون ما بعدها من شأنه أن يتوهم تخلف الحكم عنه ، فإذا نص على شمول الحكم إياه علم أن شموله لما عداه بطريق الأولى ، وقد يرد هذا الشرط بحرف " لو " غالبا كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به في " آل عمران " . ويرد بحرف " إن " كما هنا ، وقول
عمرو بن معد يكرب :
ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رديت بردا
وقد تقدم في سورة آل عمران .
وقرأ الجمهور " مثقال " بالنصب على أنه خبر " كان " وأن اسمها ضمير عائد إلى " شيئا " . وجواب الشرط محذوف دل عليه الجملة السابقة .
وقرأ
نافع وأبو جعفر " مثقال " مرفوعا على أن " كان " تامة و " مثقال " فاعل .
[ ص: 86 ] ومعنى القراءتين متحد المآل ، وهو : أنه إن كان لنفس مثقال حبة من خردل من خير أو من شر يؤت بها في ميزان أعمالها ويجاز عليها ، وجملة " أتينا بها " على القراءة الأولى مستأنفة ، وعلى القراءة الثانية إما جواب للشرط أو مستأنفة وجواب الشرط محذوف . وضمير " بها " عائد إلى " مثقال حبة " . واكتسب ضميره التأنيث لإضافة معاده إلى مؤنث وهو " حبة " .
والمثقال : ما يماثل شيئا في الثقل ، أي الوزن ، فمثقال الحبة : مقدارها .
والحبة : الواحدة من ثمر النبات الذي يخرج من السنبل أو في المزادات التي كالقرون أو العبابيد كالقطاني .
والخردل : حبوب دقيقة كحب السمسم هي بزور شجر يسمى عند العرب الخردل ، واسمه في علم النبات ( سينابيس ) ، وهو صنفان : بري وبستاني ، وينبت في
الهند ومصر وأوروبا ، وشجرته ذات ساق دقيقة ينتهي ارتفاعها إلى نحو متر ، وأوراقها كبيرة ، يخرج أزهارا صفرا منها تتكون بذوره ، إذ تخرج في مزادات صغيرة مملوءة من هذا الحب ، تخرج خضراء ثم تصير سوداء مثل الخرنوب الصغير ، وإذا دق هذا الحب ظهرت منه رائحة معطرة ، إذا قربت من الأنف شما دمعت العينان ، وإذا وضع معجونها على الجلد أحدث فيه بعد هنيهة لذعا وحرارة ، ثم لا يستطيع الجلد تحملها طويلا ، ويترك موضعه من الجلد شديد الحمرة لتجمع الدم بظاهر الجلد ؛ ولذلك يجعل معجونه بالماء دواء يوضع على المحل المصاب باحتقان الدم مثل ذات الجنب والنزلات الصدرية .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وكفى بنا حاسبين عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وإن كان مثقال حبة من خردل . مفعول " كفى " محذوف دل عليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فلا [ ص: 87 ] تظلم نفس شيئا ، والتقدير : وكفى الناس نحن في حال حسابهم ، ومعنى كفاهم نحن حاسبين أنهم لا يتطلعون إلى حاسب آخر يعدل مثلنا ، وهذا تأمين للناس من أن يجازى أحد منهم بما لا يستحقه ، وفي ذلك تحذير من العذاب وترغيب في الثواب .
وضمير الجمع في قوله تعالى : " حاسبين " مراعى فيه ضمير العظمة من قوله تعالى : " بنا " ، والباء مزيدة للتوكيد ، وأصل التركيب : كفينا الناس ، وهذه الباء تدخل بعد فعل " كفى " غالبا فتدخل على فاعله في الأكثر كما هنا وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وكفى بالله شهيدا في سورة النساء ، وتدخل على مفعوله كما في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342159كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع .
وانتصب " حاسبين " على الحال أو التمييز لنسبة " كفى " ، وتقدمت نظائر هذا التركيب غير مرة منها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وكفى بالله شهيدا في سورة النساء .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28992_29468_30358_30365وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=46وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ إِلَخْ ؛ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِمْ " إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " ؛ وَلِبَيَانِ أَنَّهُمْ مُجَازَوْنَ عَلَى جَمِيعِ مَا أَسْلَفُوهُ مِنَ الْكُفْرِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ بَيَانًا بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْعُمُومِ بَعْدَ الْخُصُوصِ فِي الْمُجَازَيْنِ ، فَشَابَهَ التَّذْيِيلَ مِنْ أَجْلِ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ، وَفِي الْمُجَازَى عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ : " رَبِّكَ " ، وَتَكُونَ نُونُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعَظَّمِ الْتِفَاتًا لِمُنَاسِبَةِ الْجَزَاءِ لِلْأَعْمَالِ كَمَا يُقَالُ :
[ ص: 81 ] أَدَّى إِلَيْهِ الْكَيْلَ صَاعًا بِصَاعٍ ، وَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ وَتَكُونَ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً . وَالْوَضْعُ حَقِيقَتُهُ : حَطُّ الشَّيْءِ وَنَصْبُهُ فِي مَكَانٍ ، وَهُوَ ضِدُّ الرَّفْعِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى صُنْعِ الشَّيْءِ وَتَعْيِينِهِ لِلْعَمَلِ بِهِ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مَجَازٌ .
وَالْمِيزَانُ : اسْمُ آلَةِ الْوَزْنِ ، وَلَهُ كَيْفِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ ، وَهِيَ تَتَّحِدُ فِي كَوْنِهَا ذَاتَ طَبَقَيْنِ مُتَعَادِلَيْنِ فِي الثِّقَلِ يُسَمَّيَانِ كِفَّتَيْنِ - بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ - تَكُونَانِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا كَانَتَا مِنْ صُفْرٍ سُمِّيَتَا صَنْجَتَيْنِ - بِصَادٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ - مُعَلَّقٌ كُلُّ طَبَقٍ بِخُيُوطٍ فِي طَرَفٍ يَجْمَعُهُمَا عُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ صَلْبٍ ، فِي طَرَفَيْهِ عُرْوَتَانِ يُشَدُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَبَقٌ مِنَ الطَّبَقَيْنِ يُسَمَّى ذَلِكَ الْعُودُ " شَاهِينُ " وَهُوَ مَوْضُوعٌ مَمْدُودًا ، وَتُجْعَلُ بِوَسَطِهِ عَلَى السَّوَاءِ عُرْوَةٌ لِتُمْسِكَهُ مِنْهَا يَدُ الْوَازِنِ ، وَرُبَّمَا جَعَلُوا تِلْكَ الْعُرْوَةَ مُسْتَطِيلَةً مِنْ مَعْدِنٍ وَجَعَلُوا فِيهَا إِبْرَةً غَلِيظَةً مِنَ الْمَعْدِنِ مَنُوطَةً بِعُرْوَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ مَعْدِنٍ مَصُوغَةٍ فِي وَسَطِ الشَّاهِينِ ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الشَّاهِينُ تَحَرَّكَتْ تِلْكَ الْإِبْرَةُ فَإِذَا سَاوَتْ وَسَطَ الْعُرْوَةِ الطَّوِيلَةِ عَلَى سَوَاءٍ عُرِفَ اعْتِدَالُ الْوَزْنِ ، وَإِنْ مَالَتْ عُرِفَ عَدَمُ اعْتِدَالِهِ ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الْإِبْرَةُ لِسَانًا ، فَإِذَا أُرِيدَ وَزْنُ شَيْئَيْنِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَرَجَحُ - وُضِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كِفَّةٍ ، فَالَّتِي وُضِعَ فِيهَا الْأَثْقَلُ مِنْهُمَا تَنْزِلُ وَالْأُخْرَى ذَاتُ الْأَخَفِّ تَرْتَفِعُ وَإِنِ اسْتَوَيَتَا فَالْمَوْزُونَانِ مُسْتَوَيَانِ ، وَإِذَا أُرِيدَ مَعْرِفَةُ ثِقَلِ شَيْءٍ فِي نَفْسِهِ دُونَ نِسْبَتِهِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ جَعَلُوا قِطَعًا مِنْ مَعْدِنٍ : صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ حَجَرٍ ذَاتِ مَقَادِيرَ مَضْبُوطَةٍ مُصْطَلَحٍ عَلَيْهَا مِثْلَ الدِّرْهَمِ وَالْأُوقِيَّةِ وَالرِّطْلِ ، فَجَعَلُوهَا تَقْدِيرًا لِثِقَلِ الْمَوْزُونِ لِيُعْلَمَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ ؛ لِدَفْعِ الْغَبْنِ فِي التَّعَاوُضِ ، وَوَحْدَتُهَا هُوَ الْمِثْقَالُ ، وَيُسَمَّى السَّنْجَ - بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا جِيمٌ .
[ ص: 82 ] وَ " الْقِسْطُ " - بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ - اسْمُ الْمَفْعُولِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَفِعْلُهُ أَقْسَطَ - مَهْمُوزًا - وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ " فِي سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " .
وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْمَوَازِينِ هُنَا : أَهْوَ الْحَقِيقَةُ أَمِ الْمَجَازُ ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ فِي يَوْمِ الْحَشْرِ مُوَازِينَ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ تُشْبِهُ الْمِيزَانَ الْمُتَعَارَفَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ مِيزَانًا خَاصًّا بِهِ تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=6فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=7فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي سُورَةِ الْقَارِعَةِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ تُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا ، وَأَنَّهُ بِيَدِ
جِبْرِيلَ ، وَعَلَيْهِ فَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ مَا يُوزَنُ فِيهَا ؛ لِيُوَافِقَ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي أَنَّهُ مِيزَانٌ عَامٌّ .
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ مُنَاسِبٌ لِعَظَمَةِ ذَلِكَ لَا يُشْبِهُ مِيزَانَ الدُّنْيَا ، وَلَكِنَّهُ عَلَى مِثَالِهِ تَقْرِيبًا ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ الْوَضْعُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ النَّصْبُ وَالْإِرْصَادُ .
وَذَهَبَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28770الْمِيزَانَ الْوَاقِعَ فِي الْقُرْآنِ مَثَلٌ لِلْعَدْلِ فِي الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَمَالَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرَيُّ . قَالَ فِي " الْكَشَّافِ " : الْمَوَازِينُ : الْحِسَابُ السَّوِيُّ وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ بِالنَّصَفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُظْلَمَ أَحَدٌ . اهـ .
أَيْ فَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِلْعَدْلِ فِي الْجَزَاءِ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْمِيزَانِ فِي ضَبْطِ الْعَدْلِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ .
وَالْوَضْعُ : تَرْشِيحٌ وَمُسْتَعَارٌ لِلظُّهُورِ .
وَذَهَبَ
الْأَشَاعِرَةُ إِلَى أَخْذِ الْمِيزَانِ عَلَى ظَاهِرِهِ .
[ ص: 83 ] وَلِلْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : فَفَرِيقٌ قَالُوا : الْمِيزَانُ حَقِيقَةٌ ، وَفَرِيقٌ قَالُوا : هُوَ مَجَازٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي " الْكَشَّافِ " فَدَلَّ صَنِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ عَلَى أَقْوَالِ أَئِمَّتِهِمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " تَقْرِيرِ الْمَوَاقِفِ " .
وَفِي الْمَقَاصِدِ : وَنِسْبَةُ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِيزَانِ إِلَى
الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُصُورٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ . اهـ .
قُلْتُ : لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ
النَّسَفِيَّ فِي عَقَائِدِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " : انْفَرَدَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ الْمِيزَانِ ، وَتَفَرَّدَتِ السَّنَةُ بِذِكْرِ الصِّرَاطِ وَالْحَوْضِ ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ هَكَذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ حَقِيقَةً فِي مِيزَانٍ لَهُ كِفَّتَانِ وَشَاهِينٌ ، وَتُجْعَلُ فِي الْكِفَّتَيْنِ صَحَائِفُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَيَخْلُقُ اللَّهُ الِاعْتِمَادَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ بِهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا يَرْجِعُ الْخَبَرُ عَنِ الْوَزْنِ إِلَى تَعْرِيفِ اللَّهِ الْعِبَادَ بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ . وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرَيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ إِلَى هَذَا .
وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ الْمِيزَانُ وَالْوَزْنُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ أَعْرَاضٌ فَهَا هُنَا يَقِفُ مَنْ وَقَفَ وَيَمْشِي عَلَى هَذَا مَنْ مَشَى ; فَمَنْ كَانَ رَأْيُهُ الْوُقُوفَ فَمِنَ الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ ، وَمَنْ أَرَادَ الْمَشْيَ لَيَجِدَنَّ سَبِيلًا مِئْتَاءً ؛ إِذْ يَجِدُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : مِيزَانًا وَوَزْنًا وَمَوْزُونًا ، فَإِذَا مَشَى فِي طَرِيقِ الْمِيزَانِ وَالْوَزْنِ وَوَجَدَهُ صَحِيحًا فِي كُلِّ لَفْظَةٍ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَمْيِيزَ الْمَوْزُونِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْقَهْقَرَى ، فَيُبْطِلَ مَا قَدْ أَثْبَتَ بَلْ يُبْقِي مَا تَقَدَّمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَصِحَّتِهِ وَيَسْعَى فِي تَأْوِيلِ هَذَا وَتَبْيِينِهِ . اهـ .
[ ص: 84 ] وَقُلْتُ : كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَقْبُولٌ وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ إِنَّمَا هِيَ تَقْرِيبٌ لَنَا بِمُتَعَارَفِنَا وَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَيْسَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ تُعْرَفُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ تُجْحَدُ تَصَرُّفَاتُهُ تَعَالَى .
وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْتِزَامَ صِيغَةِ جَمْعِ الْمَوَازِينَ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْمِيزَانُ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَزْنِ فِيهَا مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ ، وَأَنَّ بَيَانَهُ بِقَوْلِهِ : " الْقِسْطَ " فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُزِيدُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَالْقِسْطُ : الْعَدْلُ ، وَيُقَالُ : الْقِسْطَاسُ ، وَهُوَ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ مِنَ اللُّغَةِ الرُّومِيَّةِ " اللَّاتِينِيَّةِ " .
وَقَدْ نَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ صَحِيحِهِ ذَلِكَ عَنْ
مُجَاهِدٍ .
فَعَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ الْمَوَازِينِ حَقِيقَةً فِي آلَاتِ وَزْنٍ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ لَفْظُ الْقِسْطِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَدْلِ لِلْمَوَازِينِ ، عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ ، أَيْ ذَاتِ الْقِسْطِ . وَعَلَى اعْتِبَارٍ فِي الْمَوَازِينِ فِي الْعَدْلِ يَكُونُ لَفْظُ الْقِسْطِ بَدَلًا مِنَ الْمَوَازِينِ ، فَيَكُونُ تَجْرِيدًا بَعْدَ التَّرْشِيحِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ ، فَإِنَّهُ مُصَدَرٌ صَالِحٌ لِذَلِكَ .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ " تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعِلَّةِ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ ، أَيْ لِأَجْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، أَيِ الْجَزَاءِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّوْقِيتِ بِمَعْنَى " عِنْدَ " الَّتِي هِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمُلَاصِقَةِ كَمَا يُقَالُ : كُتِبَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ كَذَا ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ نَضَعُ الْمَوَازِينَ عِنْدَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
[ ص: 85 ] وَتَفْرِيعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا عَلَى وَضْعِ الْمَوَازِينِ تَفْرِيعُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ أَوِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ . وَالظُّلْمُ : ضِدُّ الْعَدْلِ ؛ وَلِذَلِكَ فُرِّعَ نَفْيُهُ عَلَى إِثْبَاتِ وَضْعِ الْعَدْلِ ، وَ " شَيْئًا " مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ ، وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ دَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ الْعُمُومِ ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ . وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ دَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ الْعُمُومِ مِنْ فِعْلِ " تُظْلَمُ " الْوَاقِعِ أَيْضًا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، أَيْ لَا تُظْلَمُ بِنَقْصٍ مِنْ خَيْرٍ اسْتَحَقَّتْهُ وَلَا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ لَمْ تَسْتَحِقَّهُ ، فَالظُّلْمُ صَادِقٌ بِالْحَالَيْنِ وَالشَّيْءُ كَذَلِكَ .
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعَانٍ عِدَّةٍ مَعَ إِيجَازِ لَفْظِهَا ، فَنُفِيَ جِنْسُ الظُّلْمِ وَنُفِيَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ ، فَأَفَادَ أَنْ لَا بَقَاءَ لِظُلْمٍ بِدُونِ جَزَاءٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَ " إِنْ " وَصْلِيَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَضْمُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَوَهَّمَ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْهُ ، فَإِذَا نَصَّ عَلَى شُمُولِ الْحُكْمِ إِيَّاهُ عُلِمَ أَنَّ شُمُولَهُ لِمَا عَدَاهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَقَدْ يَرِدُ هَذَا الشَّرْطُ بِحَرْفِ " لَوْ " غَالِبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ فِي " آلِ عِمْرَانَ " . وَيَرِدُ بِحَرْفِ " إِنْ " كَمَا هُنَا ، وَقَوْلُ
عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ :
لَيْسَ الْجَمَالُ بِمِئْزَرٍ فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدًا
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " مِثْقَالَ " بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ " كَانَ " وَأَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى " شَيْئًا " . وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ السَّابِقَةُ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ " مِثْقَالُ " مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّ " كَانَ " تَامَّةٌ وَ " مِثْقَالُ " فَاعِلٌ .
[ ص: 86 ] وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَّحِدُ الْمَآلِ ، وَهُوَ : أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِنَفْسٍ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ مِنْ شَرٍّ يُؤْتَ بِهَا فِي مِيزَانِ أَعْمَالِهَا وَيُجَازَ عَلَيْهَا ، وَجُمْلَةُ " أَتَيْنَا بِهَا " عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى مُسْتَأْنَفَةٌ ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِمَّا جَوَابٌ لِلشَّرْطِ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ . وَضَمِيرُ " بِهَا " عَائِدٌ إِلَى " مِثْقَالُ حَبَّةٍ " . وَاكْتَسَبَ ضَمِيرُهُ التَّأْنِيثَ لِإِضَافَةِ مُعَادِهِ إِلَى مُؤَنَّثٍ وَهُوَ " حَبَّةٍ " .
وَالْمِثْقَالُ : مَا يُمَاثِلُ شَيْئًا فِي الثِّقَلِ ، أَيِ الْوَزْنِ ، فَمِثْقَالُ الْحَبَّةِ : مِقْدَارُهَا .
وَالْحَبَّةُ : الْوَاحِدَةُ مِنْ ثَمَرِ النَّبَاتِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ السُّنْبُلِ أَوْ فِي الْمَزَادَاتِ الَّتِي كَالْقُرُونِ أَوِ الْعَبَابِيدِ كَالْقَطَانِيِّ .
وَالْخَرْدَلُ : حُبُوبٌ دَقِيقَةٌ كَحَبِّ السِّمْسِمِ هِيَ بُزُورُ شَجَرٍ يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَرْدَلَ ، وَاسْمُهُ فِي عِلْمِ النَّبَاتِ ( سينابيس ) ، وَهُوَ صِنْفَانِ : بَرِّيٍّ وَبُسْتَانِيٍّ ، وَيَنْبُتُ فِي
الْهِنْدِ وَمِصْرَ وَأُورُوبَّا ، وَشَجَرَتُهُ ذَاتُ سَاقٍ دَقِيقَةٍ يَنْتَهِي ارْتِفَاعُهَا إِلَى نَحْوِ مِتْرٍ ، وَأَوْرَاقُهَا كَبِيرَةٌ ، يُخْرِجُ أَزْهَارًا صُفْرًا مِنْهَا تَتَكَوَّنُ بِذُورُهُ ، إِذْ تَخْرُجُ فِي مَزَادَاتٍ صَغِيرَةٍ مَمْلُوءَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ ، تَخْرُجُ خَضْرَاءَ ثُمَّ تَصِيرُ سَوْدَاءَ مِثْلَ الْخُرْنُوبِ الصَّغِيرِ ، وَإِذَا دُقَّ هَذَا الْحَبُّ ظَهَرَتْ مِنْهُ رَائِحَةٌ مُعَطَّرَةٌ ، إِذَا قُرِّبَتْ مِنَ الْأَنْفِ شَمًّا دَمِعَتِ الْعَيْنَانِ ، وَإِذَا وُضِعَ مَعْجُونُهَا عَلَى الْجِلْدِ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ لَذْعًا وَحَرَارَةً ، ثُمَّ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِلْدُ تَحَمُّلَهَا طَوِيلًا ، وَيَتْرُكُ مَوْضِعَهُ مِنَ الْجَلْدِ شَدِيدَ الْحُمْرَةِ لِتَجَمُّعِ الدَّمِ بِظَاهِرِ الْجَلْدِ ؛ وَلِذَلِكَ يُجْعَلُ مَعْجُونُهُ بِالْمَاءِ دَوَاءً يُوضَعُ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُصَابِ بِاحْتِقَانِ الدَّمِ مِثْلَ ذَاتِ الْجَنْبِ وَالنَّزَلَاتِ الصَّدْرِيَّةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ . مَفْعُولُ " كَفَى " مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فَلَا [ ص: 87 ] تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ، وَالتَّقْدِيرُ : وَكَفَى النَّاسَ نَحْنُ فِي حَالِ حِسَابِهِمْ ، وَمَعْنَى كَفَاهُمْ نَحْنُ حَاسِبِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَطَلَّعُونَ إِلَى حَاسِبٍ آخَرَ يَعْدِلُ مِثْلَنَا ، وَهَذَا تَأْمِينٌ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُجَازَى أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَفِي ذَلِكَ تَحْذِيرٌ مِنَ الْعَذَابِ وَتَرْغِيبٌ فِي الثَّوَابِ .
وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " حَاسِبِينَ " مُرَاعًى فِيهِ ضَمِيرُ الْعَظَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : " بِنَا " ، وَالْبَاءُ مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ : كَفَيْنَا النَّاسَ ، وَهَذِهِ الْبَاءُ تَدْخُلُ بَعْدَ فِعْلِ " كَفَى " غَالِبًا فَتَدْخُلُ عَلَى فَاعِلِهِ فِي الْأَكْثَرِ كَمَا هُنَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَتَدْخُلُ عَلَى مَفْعُولِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342159كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .
وَانْتَصَبَ " حَاسِبِينَ " عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ لِنِسْبَةِ " كَفَى " ، وَتَقَدَّمَتْ نَظَائِرُ هَذَا التَّرْكِيبِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .