فرع على الوعيد المعرض به في قوله تعالى كل إلينا راجعون تفريع بديع من بيان صفة ما توعدوا به ، وذلك من قوله تعالى فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا الآيات . وقدم وعد المؤمنين بجزاء أعمالهم الصالحة اهتماما به ، ولوقوعه عقب الوعيد تعجيلا لمسرة المؤمنين قبل أن يسمعوا قوارع تفصيل الوعيد ، فليس هو مقصودا من التفريع ، ولكنه يشبه الاستطراد تنويها بالمؤمنين [ ص: 144 ] كما سيعتنى بهم عقب تفصيل وعيد الكافرين بقوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون إلى آخر السورة .
والكفران مصدر أصله : عدم الاعتراف بالإحسان ، ضد الشكران واستعمل هنا في حرمان الجزاء على العمل الصالح على طريقة المجاز ؛ لأن الاعتراف بالخير يستلزم الجزاء عليه عرفا كقوله تعالى وما تفعلوا من خير فلن تكفروه . فالمعنى : أنهم يعطون جزاء أعمالهم الصالحة . وأكد ذلك بقوله وإنا له كاتبون مؤكدا بحرف التأكيد للاهتمام به .
والكتابة كناية عن تحققه وعدم إضاعته لأن الاعتناء بإيقاع الشيء يستلزم الحفظ عن إهماله وعن إنكاره ، ومن وسائل ذلك كتابته ليذكر ولو طالت المدة . وهذا لزوم عرفي قال الحارث بن حلزة :
وهل ينقض ما في المهارق الأهواء
وذلك مع كون الكتابة مستعملة في معناها الأصلي كما جاءت بذلك الظواهر من الكتاب والسنة .