أي فإن أعرضوا بعد هذا التبيين المفصل والجامع فأبلغهم الإنذار بحلول ما توعدهم الله به .
والإيذان : الإعلام ، وهو بوزن أفعل من أذن لكذا بمعنى سمع . واشتقاقه من اسم الأذن ، وهي جارحة السمع ، ثم استعمل بمعنى العلم بالسمع ثم شاع استعماله في العلم مطلقا . وأما ( آذن ) فهو فعل متعد بالهمزة وكثر استعمال الصيغتين في معنى الإنذار وهو الإعلام المشوب بتحذير . فمن استعمال أذن قوله [ ص: 173 ] تعالى فأذنوا بحرب من الله ورسوله . ومن استعمال ( آذن ) قول الحارث بن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء
وحذف مفعول ( آذنتكم ) الثاني لدلالة قوله تعالى ( ما توعدون ) عليه ، أو يقدر : آذنتكم ما يوحى إلي لدلالة ما تقدم عليه . والأظهر تقدير ما يشمل المعنيين كقوله تعالى فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم . وقوله تعالى ( على سواء ) ( على ) فيه للاستعلاء المجازي ، وهو قوة الملابسة وتمكن الوصف من موصوفه . و ( سواء ) اسم معناه مستو . والاستواء : المماثلة في شيء ويجمع على أسواء . وأصله مصدر ثم عومل معاملة الأسماء فجمعوه لذلك ، وحقه أن لا يجمع فيجوز أن يكون ( على سواء ) ظرفا مستقرا هو حال من ضمير الخطاب في قوله تعالى ( آذنتكم ) أي أنذرتكم مستوين في إعلامكم به لا يدعي أحد منكم أنه لم يبلغه الإنذار . وهذا إعذار لهم وتسجيل عليهم كقوله في خطبته ( ألا هل بلغت ) . ويجوز أن يتعلق المجرور بفعل ( آذنتكم ) قال أبو مسلم : الإيذان على السواء : الدعاء إلى الحرب مجاهرة لقوله تعالى فانبذ إليهم على سواء اهـ .
يريد أن هذا مثل بحال النذير بالحرب إذ لم يكن في القرآن النازل بمكة دعاء إلى حرب حقيقية . وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون ( على سواء ) حالا من ضمير المتكلم . وحذف متعلق ( آذنتكم ) لدلالة قوله تعالى وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون عليه ، ولأن السياق يؤذن به ؛ لقوله قبله ( حتى إذا فتحت ياجوج وماجوج ) الآية . وتقدم عند قوله تعالى فانبذ إليهم على سواء في سورة الأنفال . [ ص: 174 ] وقوله وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون يشمل كل ما يوعدونه من عقاب في الدنيا والآخرة إن عاشوا أو ماتوا . و ( إن ) نافية وعلق فعل ( أدري ) عن العمل بسبب حرف الاستفهام وحذف العائد . وتقديره : ما توعدون به .