وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج   
عطف على جملة فإنا خلقناكم من تراب  ، والخطاب لغير معين فيعم كل من يسمع هذا الكلام .   [ ص: 203 ] وهذا ارتقاء في الاستدلال على الإحياء بعد الموت بقياس التمثيل لأنه استدلال بحالة مشاهدة فلذلك افتتح بفعل الرؤية . بخلاف الاستدلال بخلق الإنسان فإن مبدأه غير مشاهد فقيل في شأنه فإنا خلقناكم من تراب  الآية . ومحل الاستدلال من قوله تعالى فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت    . فهو مناسب قوله في الاستدلال الأول فإنا خلقناكم من تراب  ، فهمود الأرض بمنزلة موت الإنسان واهتزازها وإنباتها بعد ذلك يماثل الإحياء بعد الموت . 
والهمود : قريب من الخمود . فهمود الأرض جفافها وزوال نبتها ، وهمود النار خمودها . 
والاهتزاز : التحرك إلى أعلى ، فاهتزاز الأرض تمثيل لحال ارتفاع ترابها بالماء وحال ارتفاع وجهها بما عليه من العشب بحال الذي يهتز ويتحرك إلى أعلى . 
وربت : حصل لها ربو بضم الراء وضم الموحدة وهو ازدياد الشيء ؛ يقال : ربا يربو ربوا ، وفسر هنا بانتفاخ الأرض من تفتق النبت والشجر . وقرأ أبو جعفر  وربأت بهمزة مفتوحة بعد الموحدة ، أي ارتفعت . ومنه قولهم : ربأ بنفسه عن كذا ، أي ارتفع مجازا ، وهو فعل مشتق من اسم الربيئة وهو الذي يعلو ربوة من الأرض لينظر هل من عدو يسير إليهم . 
والزوج : الصنف من الأشياء . أطلق عليه اسم الزوج تشبيها له بالزوج من الحيوان وهو صنف الذكر وصنف الأنثى . لأن كل فرد من أحد الصنفين يقترن بالفرد من الصنف الآخر فيصير زوجا فيسمى كل واحد منهما زوجا بهذا المعنى ، ثم شاع إطلاقه على أحد الصنفين ، ثم أطلق على كل نوع وصنف وإن لم يكن ذكرا ولا أنثى . فأطلق هنا على أنواع النبات . 
 [ ص: 204 ] والبهيج : الحسن المنظر السار للناظر . وقد سيق هذا الوصف إدماجا للامتنان في أثناء الاستدلال امتنانا بجمال صورة الأرض المنبتة ، لأن كونه بهيجا لا دخل له في الاستدلال ، فهو امتنان محض كقوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  وقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					