nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28993_33014_28862إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادي ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم
هذا مقابل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=24وهدوا إلى صراط الحميد بالنسبة إلى أحوال المشركين إذ لم يسبق لقوله ذلك مقابل في الأحوال المذكورة في آية
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=19فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار كما تقدم . فموقع هذه الجملة الاستئناف البياني . والمعنى : كما كان سبب استحقاق المؤمنين ذلك النعيم اتباعهم صراط الله كذلك كان سبب
nindex.php?page=treesubj&link=30558استحقاق المشركين ذلك العذاب كفرهم وصدهم عن سبيل الله .
[ ص: 236 ] وفيه مع هذه المناسبة لما قبله تخلص بديع إلى ما بعده من بيان
nindex.php?page=treesubj&link=33014حق المسلمين في المسجد الحرام ، وتهويل أمر الإلحاد فيه ، والتنويه به وتنزيهه عن أن يكون مأوى للشرك ورجس الظلم والعدوان . وتأكيد الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به . وجاء ( يصدون ) بصيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك منهم وأنه دأبهم سواء فيه
أهل مكة وغيرهم ؛ لأن البقية ظاهروهم على ذلك الصد ووافقوهم . أما صيغة الماضي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إن الذين كفروا فلأن ذلك الفعل صار كاللقب لهم مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=14إن الله يدخل الذين آمنوا .
وسبيل الله : الإسلام ، فصدهم عنه هو الذي حقق لهم عذاب النار ، كما حقق اهتداء المؤمنين إليه لهم نعيم الجنة .
nindex.php?page=treesubj&link=30857والصد عن المسجد الحرام مما شمله الصد عن سبيل الله فخص بالذكر للاهتمام به ، ولينتقل منه إلى التنويه
بالمسجد الحرام ، وذكر بنائه ، وشرع الحج له من عهد
إبراهيم . والمراد بصدهم عن
المسجد الحرام صد عرفه المسلمون يومئذ . ولعله صدهم المسلمين عن دخول
المسجد الحرام والطواف بالبيت . والمعروف من ذلك أنهم منعوا المسلمين بعد الهجرة من زيارة البيت فقد قال
أبو جهل nindex.php?page=showalam&ids=307لسعد بن معاذ لما جاء إلى
مكة معتمرا وقال لصاحبه
أمية بن خلف : انتظر لي ساعة من النهار لعلي أطوف بالبيت ، فبينما
سعد يطوف إذ أتاه
أبو جهل وعرفه . فقال له
أبو جهل : أتطوف
بالكعبة ؟ آمنا وقد أوتيتم الصباة " يعني المسلمين " . ومن ذلك ما صنعوه يوم الحديبية . وقد قيل : إن الآية نزلت في ذلك . وأحسب أن الآية نزلت قبل ذلك سواء نزلت
بمكة أم
بالمدينة .
[ ص: 237 ] ووصف المسجد بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25الذي جعلناه للناس الآية للإيماء إلى علة مؤاخذة المشركين بصدهم عنه لأجل أنهم خالفوا ما أراد الله منه فإنه جعله للناس كلهم يستوي في أحقية التعبد به العاكف فيه ، أي المستقر في المسجد ، والبادي ، أي البعيد عنه إذا دخله .
والمراد بالعاكف : الملازم له في أحوال كثيرة ، وهو كناية عن الساكن
بمكة لأن الساكن
بمكة يعكف كثيرا في
المسجد الحرام ، بدليل مقابلته بالبادي ، فأطلق العكوف في المسجد على سكنى مكة مجازا بعلاقة اللزوم العرفي . وفي ذكر العكوف تعريض بأنهم لا يستحقون بسكنى
مكة مزية على غيرهم ، وبأنهم حين يمنعون الخارجين عن
مكة من الدخول
للكعبة قد ظلموهم باستئثارهم
بمكة . وقرأ الجمهور ( سواء ) بالرفع على أنه مبتدأ ( والعاكف فيه ) فاعل سد مسد الخبر ، والجملة مفعول ثان لـ ( جعلناه ) . وقرأه
حفص بالنصب على أنه المفعول الثاني لـ ( جعلناه ) .
والعكوف : الملازمة . والبادي : ساكن البادية .
وقوله ( سواء ) لم يبين الاستواء في ماذا ؛ وهذا لظهور أن الاستواء فيه بصفة كونه مسجدا إنما هو في العبادة المقصودة منه ومن ملحقاته وهي : الطواف ، والسعي ، ووقوف عرفة . وكتب ( والباد ) في المصحف بدون ياء في آخره . وقرأ
ابن كثير ( والبادي ) بإثبات الياء على القياس لأنه معرف ، والقياس إثبات ياء الاسم المنقوص إذا كان معرفا باللام ، ومحمل كتابته في المصحف بدون ياء عند أهل هذه القراءة أن الياء عوملت معاملة الحركات وألفات أواسط الأسماء فلم يكتبوها . وقرأه
نافع بغير
[ ص: 238 ] ياء في الوقف وأثبتها في الوصل . ومحمل كتابته على هذه القراءة بدون ياء أنه روعي فيه التخفيف في حالة الوقف ؛ لأن شأن الرسم أن يراعى فيه حالة الوقف . وقرأه الباقون بدون ياء في الحالين الوصل والوقف . والوجه فيه قصد التخفيف ومثله كثير . وليس في هذه الآية حجة لحكم امتلاك دور
مكة إثباتا ولا نفيا لأن سياقها خاص
بالمسجد الحرام دون غيره ، ويلحق به ما هو من تمام مناسكه : كالمسعى ، والموقف ،
والمشعر الحرام ، والجمار . وقد جرت عادة الفقهاء أن يذكروا مسألة امتلاك دور
مكة عند ذكر هذه الآية على وجه الاستطراد . ولا خلاف بين المسلمين في أن
nindex.php?page=treesubj&link=24107الناس سواء في أداء المناسك بالمسجد الحرام وما يتبعه إلا ما منعته الشريعة كطواف الحائض
بالكعبة .
وأما مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=27929امتلاك دور مكة فللفقهاء فيها ثلاثة أقوال :
فكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما يقولون : إن القادم إلى
مكة للحج له أن ينزل حيث شاء من ديارها وعلى رب المنزل أن يؤويه . وكانت دور
مكة تدعى السوائب في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : دور
مكة ملك لأهلها ، ولهم الامتناع من إسكان غيرهم ، ولهم إكراؤها للناس ، وإنما تجب المواساة عند الضرورة ، وعلى ذلك حملوا ما كان يفعله عمر فهو من المواساة . وقد اشترى
عمر دار
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية وجعلها سكنا .
وقال
أبو حنيفة : دور
مكة لا تملك وليس لأهلها أن يكروها . وقد ظن أن الخلاف في ذلك مبني على الاختلاف في أن
مكة فتحت عنوة أو صلحا . والحق أنه لا
[ ص: 239 ] بناء على ذلك ؛ لأن من القائلين بأنها فتحت عنوة قائلين بتملك دور
مكة فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس يراها فتحت عنوة ويرى صحة تملك دورها . ووجه ذلك : أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أقر أهلها في منازلهم فيكون قد أقطعهم إياها كما من على أهلها بالإطلاق من الأسر ومن السبي . ولم يزل
أهل مكة يتبايعون دورهم ولا ينكر عليهم أحد من أهل العلم .
وخبر ( إن الذين كفروا ) محذوف تقديره : نذيقهم من عذاب أليم ، دل عليه قوله في الجملة الآتية
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم . وإذ كان الصد عن
المسجد الحرام إلحادا بظلم فإن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم تذييل للجملة السابقة لما في ( من ) الشرطية من العموم .
والإلحاد : الانحراف عن الاستقامة وسواء الأمور . والظلم يطلق على الإشراك وعلى المعاصي لأنها ظلم النفس . والباء في ( بإلحاد ) زائدة للتوكيد مثلها في
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم . أي من يرد إلحادا وبعدا عن الحق والاستقامة وذلك صدهم عن زيارته . والباء في ( بظلم ) للملابسة . فالظلم : الإشراك ، لأن المقصود تهديد المشركين الذين حملهم الإشراك على مناوأة المسلمين ومنعهم من زيارة
المسجد الحرام . و ( من ) في قوله ( من عذاب أليم ) مزيدة للتوكيد على رأي من لا يشترطون لزيادة ( من ) وقوعها بعد نفي أو نهي . ولك أن تجعلها للتبعيض ، أي نذقه عذابا من عذاب أليم .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28993_33014_28862إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
هَذَا مُقَابِلٌ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=24وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ مُقَابِلٌ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=19فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ كَمَا تَقَدَّمَ . فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الِاسْتِئْنَافُ الْبَيَانِيُّ . وَالْمَعْنَى : كَمَا كَانَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ النَّعِيمَ اتِّبَاعَهُمْ صِرَاطَ اللَّهِ كَذَلِكَ كَانَ سَبَبُ
nindex.php?page=treesubj&link=30558اسْتِحْقَاقِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ الْعَذَابَ كُفْرَهُمْ وَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .
[ ص: 236 ] وَفِيهِ مَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ تَخَلُّصٌ بَدِيعٌ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=33014حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَتَهْوِيلُ أَمْرِ الْإِلْحَادِ فِيهِ ، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَأْوًى لِلشِّرْكِ وَرِجْسِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ . وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ . وَجَاءَ ( يَصُدُّونَ ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَأْبُهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ
أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ ظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ الصَّدِّ وَوَافَقُوهُمْ . أَمَّا صِيغَةُ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ صَارَ كَاللَّقَبِ لَهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=14إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا .
وَسَبِيلُ اللَّهِ : الْإِسْلَامُ ، فَصَدُّهُمْ عَنْهُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَ لَهُمْ عَذَابَ النَّارِ ، كَمَا حَقَّقَ اهْتِدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ لَهُمْ نَعِيمَ الْجَنَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30857وَالصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِمَّا شَمِلَهُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَلِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى التَّنْوِيهِ
بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَذِكْرِ بِنَائِهِ ، وَشَرْعِ الْحَجِّ لَهُ مِنْ عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ . وَالْمُرَادُ بِصَدِّهِمْ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَدٌّ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ . وَلَعَلَّهُ صَدُّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دُخُولِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ . وَالْمَعْرُوفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ فَقَدْ قَالَ
أَبُو جَهْلٍ nindex.php?page=showalam&ids=307لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا جَاءَ إِلَى
مَكَّةَ مُعْتَمِرًا وَقَالَ لِصَاحِبِهِ
أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ : انْتَظِرْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ لَعَلِّي أَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، فَبَيْنَمَا
سَعْدٌ يَطُوفُ إِذْ أَتَاهُ
أَبُو جَهْلٍ وَعَرَفَهُ . فَقَالَ لَهُ
أَبُو جَهْلٍ : أَتَطَّوَّفُ
بِالْكَعْبَةِ ؟ آمَنَّا وَقَدْ أُوتِيتُمُ الصُّبَاةَ " يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ " . وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَنَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ . وَأَحْسَبُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ أَمْ
بِالْمَدِينَةِ .
[ ص: 237 ] وَوَصْفُ الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ الْآيَةَ لِلْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ مُؤَاخَذَةِ الْمُشْرِكِينَ بِصَدِّهِمْ عَنْهُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ يَسْتَوِي فِي أَحَقِّيَّةِ التَّعَبُّدِ بِهِ الْعَاكِفُ فِيهِ ، أَيِ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْبَادِي ، أَيِ الْبَعِيدُ عَنْهُ إِذَا دَخَلَهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْعَاكِفِ : الْمُلَازِمُ لَهُ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ السَّاكِنِ
بِمَكَّةَ لِأَنَّ السَّاكِنَ
بِمَكَّةَ يَعْكُفُ كَثِيرًا فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْبَادِي ، فَأُطْلِقَ الْعُكُوفُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى سُكْنَى مَكَّةَ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ الْعُرْفِيِّ . وَفِي ذِكْرِ الْعُكُوفِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ بِسُكْنَى
مَكَّةَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَبِأَنَّهُمْ حِينَ يَمْنَعُونَ الْخَارِجِينَ عَنْ
مَكَّةَ مِنَ الدُّخُولِ
لِلْكَعْبَةِ قَدْ ظَلَمُوهُمْ بِاسْتِئْثَارِهِمْ
بِمَكَّةَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( سَوَاءٌ ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ( وَالْعَاكِفُ فِيهِ ) فَاعِلٌ سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ ، وَالْجُمْلَةُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِـ ( جَعَلْنَاهُ ) . وَقَرَأَهُ
حَفْصٌ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِـ ( جَعَلْنَاهُ ) .
وَالْعُكُوفُ : الْمُلَازَمَةُ . وَالْبَادِي : سَاكِنُ الْبَادِيَةِ .
وَقَوْلُهُ ( سَوَاءٌ ) لَمْ يُبَيِّنِ الِاسْتِوَاءَ فِي مَاذَا ؛ وَهَذَا لِظُهُورِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِيهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَمِنْ مُلْحَقَاتِهِ وَهِيَ : الطَّوَافُ ، وَالسَّعْيُ ، وَوُقُوفُ عَرَفَةَ . وَكُتِبَ ( وَالْبَادِ ) فِي الْمُصْحَفِ بِدُونِ يَاءٍ فِي آخِرِهِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ( وَالْبَادِي ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ ، وَالْقِيَاسُ إِثْبَاتُ يَاءِ الِاسْمِ الْمَنْقُوصِ إِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ ، وَمَحْمِلُ كِتَابَتِهِ فِي الْمُصْحَفِ بِدُونِ يَاءٍ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ الْيَاءَ عُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْحَرَكَاتِ وَأَلِفَاتِ أَوَاسِطِ الْأَسْمَاءِ فَلَمْ يَكْتُبُوهَا . وَقَرَأَهُ
نَافِعٌ بِغَيْرِ
[ ص: 238 ] يَاءٍ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتَهَا فِي الْوَصْلِ . وَمَحْمِلُ كِتَابَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ يَاءٍ أَنَّهُ رُوعِيَ فِيهِ التَّخْفِيفُ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّسْمِ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ حَالَةُ الْوَقْفِ . وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِدُونِ يَاءٍ فِي الْحَالَيْنِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ . وَالْوَجْهُ فِيهِ قَصْدُ التَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ . وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِحُكْمِ امْتِلَاكِ دُورِ
مَكَّةَ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا لِأَنَّ سِيَاقَهَا خَاصٌّ
بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَيُلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ مَنَاسِكِهِ : كَالْمَسْعَى ، وَالْمَوْقِفِ ،
وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، وَالْجِمَارِ . وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ امْتِلَاكِ دُورِ
مَكَّةَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطْرَادِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24107النَّاسَ سَوَاءٌ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا يَتْبَعُهُ إِلَّا مَا مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ كَطَوَافِ الْحَائِضِ
بِالْكَعْبَةِ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=27929امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
فَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ : إِنَّ الْقَادِمَ إِلَى
مَكَّةَ لِلْحَجِّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ دِيَارِهَا وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيَهُ . وَكَانَتْ دُورُ
مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَقَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : دُورُ
مَكَّةَ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا ، وَلَهُمُ الِامْتِنَاعُ مِنْ إِسْكَانِ غَيْرِهِمْ ، وَلَهُمْ إِكْرَاؤُهَا لِلنَّاسِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُوَاسَاةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ عُمَرُ فَهُوَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ . وَقَدِ اشْتَرَى
عُمَرُ دَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=90صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَجَعَلَهَا سَكَنًا .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : دُورُ
مَكَّةَ لَا تُمْلَكُ وَلَيْسَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُكْرُوهَا . وَقَدْ ظُنَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ
مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا . وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا
[ ص: 239 ] بِنَاءَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَائِلِينَ بِتَمَلُّكِ دُورِ
مَكَّةَ فَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَرَاهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَيَرَى صِحَّةَ تَمَلُّكِ دُورِهَا . وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ أَهْلَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ فَيَكُونُ قَدْ أَقْطَعَهُمْ إِيَّاهَا كَمَا مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِالْإِطْلَاقِ مِنَ الْأَسْرِ وَمِنَ السَّبْيِ . وَلَمْ يَزَلْ
أَهْلُ مَكَّةَ يَتَبَايَعُونَ دُورَهُمْ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَخَبَرُ ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : نُذِيقُهُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ كَانَ الصَّدُّ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ فَإِنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ لِمَا فِي ( مَنِ ) الشَّرْطِيَّةِ مِنَ الْعُمُومِ .
وَالْإِلْحَادُ : الِانْحِرَافُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَوَاءِ الْأُمُورِ . وَالظُّلْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِشْرَاكِ وَعَلَى الْمَعَاصِي لِأَنَّهَا ظُلْمُ النَّفْسِ . وَالْبَاءُ فِي ( بِإِلْحَادٍ ) زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ مِثْلُهَا فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ . أَيْ مَنْ يُرِدْ إِلْحَادًا وَبُعْدًا عَنِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ وَذَلِكَ صَدُّهُمْ عَنْ زِيَارَتِهِ . وَالْبَاءُ فِي ( بِظُلْمٍ ) لِلْمُلَابَسَةِ . فَالظُّلْمُ : الْإِشْرَاكُ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَهْدِيدُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَمَلَهُمُ الْإِشْرَاكُ عَلَى مُنَاوَأَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعِهِمْ مِنْ زِيَارَةِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ ( مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُونَ لِزِيَادَةِ ( مِنْ ) وُقُوعَهَا بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ . وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا لِلتَّبْعِيضِ ، أَيْ نُذِقْهُ عَذَابًا مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .