فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم حنفاء لله غير مشركين به
لما ذكر آنفا بهيمة الأنعام وتعظيم حرمات الله أعقب ذلك مثل : البحيرة ، والسائبة ، [ ص: 253 ] والوصيلة ، والحامي وبعض ما في بطونها . وقد ذكر في سورة الأنعام . واستثنى منه ما يتلى تحريمه في القرآن وهو ما جاء ذكره في سورة الأنعام في قوله بإبطال ما حرمه المشركون على أنفسهم من الأنعام قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآيات وما ذكر في سورة النحل وكلتاهما مكيتان سابقتان . وجيء بالمضارع في قوله إلا ما يتلى عليكم ليشمل ما نزل من القرآن في ذلك مما سبق نزول سورة الحج بأنه تلي فيما مضى ولم يزل يتلى ، ويشمل ما عسى أن ينزل من بعد مثل قوله ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة الآية في سورة العقود .
مستعمل في طلب الدوام كما في قوله والأمر باجتناب الأوثان يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله . وفرع على ذلك جملة معترضة للتصريح بالأمر باجتناب ما ليس من حرمات الله ، وهو الأوثان . واجتناب بقولهم لبعض المحرمات هذا حلال مثل الدم وما أهل لغير الله به ، وقولهم لبعض هذا حرام مثل : البحيرة ، والسائبة قال تعالى الكذب على الله ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب .
والرجس : حقيقته الخبث والقذارة . وتقدم في قوله تعالى فإنه رجس في سورة الأنعام . ووصف الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي لكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلق الخبث بالأجساد فإطلاق الرجس عليها تشبيه بليغ . و ( من ) في قوله ( من الأوثان ) بيان لمجمل الرجس ، فهي تدخل على بعض أسماء التمييز بيانا للمراد من الرجس هنا لا أن معنى [ ص: 254 ] ذلك أن الرجس هو عين الأوثان بل الرجس أعم أريد به هنا بعض أنواعه فهذا تحقيق معنى ( من ) البيانية . و ( حنفاء لله ) حال من ضمير ( اجتنبوا ) أي تكونوا إن اجتنبتم ذلك حنفاء لله ، جمع حنيف وهو المخلص لله في العبادة ، أي تكونوا على ملة إبراهيم حقا . ولذلك زاد معنى ( حنفاء ) بيانا بقوله ( غير مشركين به ) وهذا كقوله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين . والباء في قوله مشركين به للمصاحبة والمعية ، أي غير مشركين معه غيره .