[ ص: 152 ] فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم
الضمائر البارزة في ( بدله ) و ( سمعه ) و ( إثمه ) و ( يبدلونه ) عائدة إلى القول أو الكلام الذي يقوله الموصي ، ودل عليه لفظ الوصية ، وقد أكد ذلك بما دل عليه قوله : ( سمعه ) إذ إنما تسمع الأقوال ، وقيل هي عائدة إلى الإيصاء المفهوم من قوله : ( الوصية ) أي : كما يعود الضمير على المصدر المأخوذ من الفعل نحو قوله تعالى : اعدلوا هو أقرب للتقوى ولك أن تجعل الضمير عائدا إلى المعروف ، والمعنى : فمن بدل الوصية الواقعة بالمعروف ؛ لأن الإثم في تبديل المعروف ، بدليل قوله الآتي : فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه .
والمراد من التبديل هنا الإبطال أو النقص ؛ وماصدق " من بدله " هو الذي بيده تنفيذ الوصية من خاصة الورثة كالأبناء ، ومن الشهود عليها بإشهاد من الموصي أو بحضور موطن الوصية ، كما في الوصية في السفر المذكورة في سورة المائدة لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فالتبديل مستعمل في معناه المجازي ؛ لأن حقيقة التبديل جعل شيء في مكان شيء آخر ، والنقض يستلزم الإتيان بضد المنقوض وتقييد التبديل بظرف " بعد ما سمعه " ؛ تعليل للوعيد ، أي : لأنه بدل ما سمعه وتحققه ، وإلا فإن التبديل لا يتصور إلا في معلوم مسموع ؛ إذ لا تتوجه النفوس إلى المجهول .
والقصر في قوله : ( فإنما إثمه ) إضافي ؛ لنفي الإثم عن الموصي ، وإلا فإن إثمه أيضا يكون على الذي يأخذ ما لم يجعله له الموصي مع علمه إذا حاباه منفذ الوصية أو الحاكم : فإن الحكم لا يحل حراما ، وقد قال النبيء صلى الله عليه وسلم : وإنما انتفى الإثم عن الموصي ؛ لأنه استبرأ لنفسه حين أوصى بالمعروف ، فلا وزر عليه في مخالفة الناس بعده لما أوصى به ، إذ فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقتطع له قطعة من نار ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .
والمقصود من هذا القصر إبطال تعلل بعض الناس بترك الوصية بعلة خيفة ألا ينفذها الموكول إليهم تنفيذها ؛ أي : فعليكم بالإيصاء ، ، فإن بدله فعليه إثمه ، وقد دل قوله : ووجوب التنفيذ متعين على ناظر الوصية فإنما إثمه على الذين يبدلونه أن هذا التبديل يمنعه الشرع ، ويضرب ولاة الأمور على يد من يحاول هذا التبديل ؛ لأن الإثم لا يقرر شرعا .
[ ص: 153 ] وقوله : إن الله سميع عليم وعيد للمبدل ؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء وإن تحيل الناس لإبطال الحقوق بوجوه الحيل ، وجاروا بأنواع الجور فالله سميع وصية الموصي ويعلم فعل المبدل ، وإذا كان سميعا عليما وهو قادر فلا حائل بينه وبين مجازاة المبدل . والتأكيد بأن ناظر إلى حالة المبدل الحكمية في قوله : فمن بدله لأنه في إقدامه على التبديل يكون كمن ينكر أن الله عالم ، فلذلك أكد له الحكم تنزيلا له منزلة المنكر .