ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون القرون : الأمم ، وهذا كقوله تعالى : وقرونا بين ذلك كثيرا .
وهم الأمم الذين لم ترسل إليهم رسل وبقوا على اتباع شريعة نوح أو شريعة هود أو شريعة صالح . أو لم يؤمروا بشرع ; لأن الاقتصار على ذكر الأمم هنا دون ذكر الرسل ثم ذكر الرسل عقب هذا يومئ إلى أن هذه إما أمم لم تأتهم رسل لحكمة اقتضت تركهم على ذلك ; لأنهم لم يتأهلوا لقبول شرائع ، أو لأنهم كانوا على شرائع سابقة .
وجملة ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون معترضة بين المتعاطفة . وهي استئناف بياني لما يؤذن به قوله : ثم أنشأنا من بعدهم قرونا من كثرتها ولا يؤذن به وصفهم بـ ( آخرين ) من جهل الناس بهم ، ولما يؤذن به عطف جملة ثم أرسلنا رسلنا تترى من انقراض هذه القرون بعد الأمة التي ذكرت قصتها آنفا في قوله : ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين دون أن تجيئهم رسل ، فكان ذلك كله مما يثير سؤال سائل عن مدة تعميرهم ووقت انقراضهم . فيجاب بالإجمال ; لأن لكل قرن منهم أجلا عينه الله يبقى إلى مثله ثم ينقرض ويخلفه قرن آخر يأتي بعده ، أو يعمر بعده قرن كان معاصرا له ، وأن ما عين لكل قرن لا يتقدمه ولا يتأخر عنه كقوله تعالى : لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .
[ ص: 61 ] والسبق : تجاوز السائر وتركه مسائره خلفه ، وعكسه التأخر . والمعنى واضح . والسين والتاء في ( يستأخرون ) زائدتان للتأكيد مثل : استجاب . وضمير ( يستأخرون ) عائد إلى ( أمة ) باعتبار الناس .