إبطال لما اقتضاه الفرض في قوله : ولو اتبع الحق أهواءهم أي : بل لم يتبع الحق أهواءهم فأبلغنا إليهم الحق على وجهه بالقرآن الذي هو ذكر لهم [ ص: 95 ] يوقظ عقولهم من سباتها . كأنه يذكر عقولهم الحق الذي نسيته بتقادم الزمان على ضلالات آبائهم التي سنوها لهم فصارت أهواء لهم ألفوها فلم يقبلوا انزياحا عنها وأعرضوا عن الحق بأنه خالفها ، فجعل إبلاغ الحق لهم بالأدلة بمنزلة تذكير الناسي شيئا طال عهده به كما قال في كتابه إلى عمر بن الخطاب : فإن الحق قديم قال تعالى : أبي موسى الأشعري ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون .
وعدي فعل ( أتيناهم ) بالباء لأنه استعمل مجازا في الإرسال والتوجيه .
والذكر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى التذكير . ويجوز أن يكون اسما للكلام الذي يذكر سامعيه بما غفل عنه وهو شأن الكتب الربانية . وإضافة الذكر إلى ضميرهم لفظية من الإضافة إلى مفعول المصدر .
والفاء لتفريع إعراضهم على الإتيان بالذكر إليهم ، أي : فتفرع على الإرسال إليهم بالذكر إعراضهم عنه . والمعنى : أرسلنا إليهم القرآن ليذكرهم .
وقيل : إضافة الذكر إلى ضميرهم معنوية ، أي : الذكر الذي سألوه حين كانوا يقولون : لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فيكون الذكر على هذا مصدرا بمعنى الفاعل ، أي : ما يتذكرون به . والفاء على هذا الوجه فاء فصيحة ، أي : فها قد أعطيناهم كتابا فأعرضوا عن ذكرهم الذي سألوه كقوله تعالى : لو أن عندنا ذكرا من الأولين أي : من رسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به ، وقول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خـراسـان
وقوله تعالى : أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير .
والتعبير عن إعراضهم بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات إعراضهم وتمكنه منهم . وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكرهم ليكون إعراضهم عنه محل عجب .