أعقب حكم الاستئذان ببيان آداب ما تقتضيه المجالسة بعد الدخول وهو أن لا يكون الداخل إلى البيت محدقا بصره إلى امرأة فيه ، بل إلا النظر الذي يعسر صرفه . إذا جالسته المرأة غض بصره واقتصر على الكلام ولا ينظر إليها
ولما كان الغض التام لا يمكن ، جيء في الآية بحرف ( من ) الذي هو للتبعيض إيماء إلى ذلك ; إذ من المفهوم أن المأمور بالغض فيه هو ما لا يليق تحديق النظر إليه ، وذلك يتذكره المسلم من استحضاره أحكام الحلال والحرام في هذا الشأن ، فيعلم أن غض البصر مراتب : منه واجب ، ومنه دون ذلك ، فيشمل غض البصر عما اعتاد الناس كراهية التحقق فيه كالنظر إلى خبايا المنازل ، بخلاف ما ليس كذلك ، فقد جاء في حديث حين [ ص: 204 ] دخل مشربة النبيء صلى الله عليه وسلم فرفعت بصري إلى السقف ، فرأيت أهبة معلقة . عمر بن الخطاب
لعلي : لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية . وقال النبيء صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الأمر بالغض أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن التطلع إلى ما عسى أن يوقعها في الحرام ، أو ما عسى أن يكلفها صبرا شديدا عليها .
والغض : صرف المرء بصره عن التحديق وتثبيت النظر . ويكون من الحياء كما قال عنترة :
وأغض طرفي حين تبدو جارتي حتى يواري جارتي مأواها
ويكون من مذلة كما قال جرير :فغض الطرف إنك من نمير
ومادة الغض تفيد معنى الخفض والنقص .والأمر بحفظ الفروج عقب الأمر بالغض من الأبصار ; لأن النظر رائد الزنى . فلما كان ذريعة له قصد المتذرع إليه بالحفظ تنبيها على . فالمراد بحفظ الفروج حفظها من أن تباشر غير ما أباحه الدين . المبالغة في غض الأبصار في محاسن النساء
واسم الإشارة إلى المذكور ، أي ذلك المذكور من غض الأبصار وحفظ الفروج .
واسم التفضيل بقوله : ( أزكى ) مسلوب المفاضلة . والمراد تقوية تلك التزكية ; لأن ذلك جنة من ارتكاب ذنوب عظيمة .
وذيل بجملة ( إن الله خبير بما يصنعون ) ; لأنه كناية عن جزاء ما يتضمنه الأمر من الغض والحفظ ; لأن المقصد من الأمر الامتثال .