nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193nindex.php?page=treesubj&link=28973_7921وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم وكان مقتضى الظاهر ألا تعطف هذه الجملة ؛ لأنها مبينة لما أجمل من غاية الأمر بقتال المشركين ، ولكنها عطفت لما وقع من الفصل بينها وبين الجملة المبينة . . .
وقد تضمنت الجمل السابقة من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلى هنا تفصيلا لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم لأن عموم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190الذين يقاتلونكم تنشأ عنه احتمالات في الأحوال والأزمنة والبقاع ، وقد انقضى بيان أحوال البقاع وأفضت التوبة الآن إلى بيان تحديد الأحوال بغاية ألا تكون فتنة .
فإذا انتهت الفتنة فتلك غاية القتال ؛ أي : إن خاسوا بالعهد وخفروا الذمة في المدة التي بينكم على ترك القتال فقد أصبحتم في حل من عهدهم ، فلكم أن تقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أخرى من بعد يفتنونكم بها ، وحتى يدخلوا في الإسلام ، فهذا كله معلق بالشرط المتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191فإن قاتلوكم فاقتلوهم ، فإعادة فعل ( وقاتلوهم ) لتبنى عليه الغاية بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حتى لا تكون فتنة وبتلك الغاية حصلت المغايرة بينه وبين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله وهي التي باعتبارها ساغ عطفه على مثله ، فـ " حتى " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حتى لا تكون إما أن تجعل للغاية مرادفة " إلى " ، وإما أن تجعل بمعنى كي التعليلية ، وهما متلازمان ؛ لأن القتال لما غي بذلك تعين أن الغاية هي المقصد ، ومتى كانت الغاية غير حسية نشأ عن ( حتى ) معنى التعليل ، فإن العلة غاية اعتبارية كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم .
وأياما كان فالمضارع منصوب بعد ( حتى ) بـ " أن " مضمرة للدلالة على ترتب الغاية .
[ ص: 208 ] والفتنة تقدمت قريبا ، والمراد بها هنا كالمراد بها هنالك ، ولما وقعت هنا في سياق النفي عمت جميع الفتن ، فلذلك ساوت المذكورة هنا المذكورة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191والفتنة أشد من القتل فإعادة الفتنة منكرة هنا لا يدل على المغايرة ، كما هو الشائع بين المعربين في أن المعرفة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى ؛ لأن وقوعها في سياق النفي أفاد العموم فشمل جميع أفراد الفتنة مساويا للفتنة المعرفة بلام الاستغراق إلا أنه استغراق عرفي بقرينة السياق ، فتقيد بثلاثة قيود بالقرينة ؛ أي : حتى لا تكون فتنة منهم للمسلمين في أمر الدين ، وإلا فقد وقعت فتن بين المسلمين أنفسهم كما في حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341235ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته .
وانتفاء الفتنة يتحقق بأحد أمرين : إما بأن يدخل المشركون في الإسلام فتزول فتنتهم فيه ، وإما بأن يقتلوا جميعا فتزول الفتنة بفناء الفاتنين .
وقد يفرض انتفاء الفتنة بظهور المسلمين عليهم ومصير المشركين ضعفاء أمام قوة المسلمين ، بحيث يخشون بأسهم ، إلا أن الفتنة لما كانت ناشئة عن التصلب في دينهم وشركهم لم تكن بالتي تضمحل عند ضعفهم ؛ لأن الإقدام على إرضاء العقيدة يصدر حتى من الضعيف كما صدر من
اليهود غير مرة في
المدينة في مثل قصة الشاة المسمومة ، وقتلهم
عبد الله بن سهل الحارثي في
خيبر ، ولذلك فليس المقصود هنا إلا أحد أمرين : إما دخولهم في الإسلام وإما إفناؤهم بالقتل ، وقد حصل كلا الأمرين في المشركين ففريق أسلموا ، وفريق قتلوا يوم
بدر وغيره من الغزوات ، ومن ثم قال علماؤنا :
nindex.php?page=treesubj&link=8835لا تقبل من مشركي العرب الجزية ، ومن ثم فسر بعض المفسرين الفتنة هنا بالشرك تفسيرا باعتبار المقصود من المعنى لا باعتبار مدلول اللفظ .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193ويكون الدين لله عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193لا تكون فتنة فهو معمول لـ " أن " المضمرة بعد ( حتى ) ، أي : وحتى يكون الدين لله ؛ أي : حتى لا يكون دين هنالك إلا لله ؛ أي : وحده .
فالتعريف في الدين تعريف الجنس ؛ لأن الدين من أسماء المواهي التي لا أفراد لها في الخارج فلا يحتمل تعريفه معنى الاستغراق .
واللام الداخلة على اسم الجلالة لام الاختصاص ؛ أي : حتى يكون جنس الدين مختصا بالله تعالى على نحو ما قرر في قوله : ( الحمد لله ) وذلك يئول إلى معنى الاستغراق ولكنه ليس عينه ؛ إذ لا نظر في مثل هذا للأفراد ، والمعنى : ويكون دين الذين تقاتلونهم خالصا لله لا حظ للإشراك فيه .
[ ص: 209 ] والمقصود من هذا تخليص بلاد العرب من دين الشرك وعموم الإسلام لها ؛ لأن الله اختارها لأن تكون قلب الإسلام ومنبع معينه ، فلا يكون القلب صالحا إذا كان مخلوط العناصر .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عبد الله بن عمر أثرا جيدا قال : جاء رجلان إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أيام فتنة
ابن الزبير فقالا : إن الناس صنعوا ما ترى وأنت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وصاحب النبيء صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ فقال : يمنعني أن الله حرم دم أخي ، فقالا : ألم يقل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : قاتلنا مع رسول الله حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : كان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة .
وسيأتي بيان آخر في نظير هذه الآية من سورة الأنفال .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193nindex.php?page=treesubj&link=28973_32527_7880فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين أي : فإن انتهوا عن نقض الصلح أو فإن انتهوا عن الشرك بأن آمنوا فلا عدوان عليهم ، وهذا تصريح بمفهوم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190الذين يقاتلونكم واحتيج إليه لبعد الصفة بطول الكلام ولاقتضاء المقام التصريح بأهم الغايتين من القتال ؛ لئلا يتوهم أن آخر الكلام نسخ أوله وأوجب قتال المشركين في كل حال .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193فلا عدوان إلا على الظالمين قائم مقام جواب الشرط ؛ لأنه علة الجواب المحذوف ، والمعنى : فإن انتهوا عن قتالكم ولم يقدموا عليه ، فلا تأخذوهم بالظنة ولا تبدءوهم بالقتال ؛ لأنهم غير ظالمين ؛ وإذ لا عدوان إلا على الظالمين ، وهو مجاز بديع .
والعدوان هنا إما مصدر ( عدا ) بمعنى وثب وقاتل ؛ أي : فلا هجوم عليهم ، وإما مصدر ( عدا ) بمعنى ظلم كاعتدى ، فتكون تسميته عدوانا مشاكلة لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193على الظالمين كما سمي جزاء السيئة بالسوء سيئة ؛ وهذه المشاكلة تقديرية .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193nindex.php?page=treesubj&link=28973_7921وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَلَّا تُعْطَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِمَا أُجْمِلَ مِنْ غَايَةِ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَلَكِنَّهَا عُطِفَتْ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمْلَةِ الْمُبَيِّنَةِ . . .
وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْجُمَلُ السَّابِقَةُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى هُنَا تَفْصِيلًا لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ لِأَنَّ عُمُومَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ تَنْشَأُ عَنْهُ احْتِمَالَاتٌ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ ، وَقَدِ انْقَضَى بَيَانُ أَحْوَالِ الْبِقَاعِ وَأَفْضَتِ التَّوْبَةُ الْآنَ إِلَى بَيَانِ تَحْدِيدِ الْأَحْوَالِ بِغَايَةِ أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ .
فَإِذَا انْتَهَتِ الْفِتْنَةُ فَتِلْكَ غَايَةُ الْقِتَالِ ؛ أَيْ : إِنْ خَاسُوا بِالْعَهْدِ وَخَفَرُوا الذِّمَّةَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ عَهْدِهِمْ ، فَلَكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ أُخْرَى مِنْ بَعْدُ يَفْتِنُونَكُمْ بِهَا ، وَحَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ ، فَهَذَا كُلُّهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِعَادَةُ فِعْلِ ( وَقَاتِلُوهُمْ ) لِتُبْنَى عَلَيْهِ الْغَايَةُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَبِتِلْكَ الْغَايَةِ حَصَلَتِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهِيَ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا سَاغَ عَطْفُهُ عَلَى مِثْلِهِ ، فَـ " حَتَّى " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حَتَّى لَا تَكُونَ إِمَّا أَنْ تُجْعَلَ لِلْغَايَةِ مُرَادِفَةَ " إِلَى " ، وَإِمَّا أَنْ تُجْعَلَ بِمَعْنَى كَيِ التَّعْلِيلِيَّةِ ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمَّا غُيَّ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ الْغَايَةَ هِيَ الْمَقْصِدُ ، وَمَتَّى كَانَتِ الْغَايَةُ غَيْرَ حِسِّيَّةٍ نَشَأَ عَنْ ( حَتَّى ) مَعْنَى التَّعْلِيلِ ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ غَايَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ .
وَأَيًّامَا كَانَ فَالْمُضَارِعُ مَنْصُوبٌ بَعْدَ ( حَتَّى ) بِـ " أَنْ " مُضْمَرَةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَتُّبِ الْغَايَةِ .
[ ص: 208 ] وَالْفِتْنَةُ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا كَالْمُرَادِ بِهَا هُنَالِكَ ، وَلَمَّا وَقَعَتْ هُنَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عَمَّتْ جَمِيعَ الْفِتَنِ ، فَلِذَلِكَ سَاوَتِ الْمَذْكُورَةُ هُنَا الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فَإِعَادَةُ الْفِتْنَةِ مُنَكَّرَةً هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ ، كَمَا هُوَ الشَّائِعُ بَيْنَ الْمُعْرِبِينَ فِي أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً فَهِيَ غَيْرُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَفَادَ الْعُمُومَ فَشَمَلَ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْفِتْنَةِ مُسَاوِيًا لِلْفِتْنَةِ الْمُعَرَّفَةِ بِلَامِ الِاسْتِغْرَاقِ إِلَّا أَنَّهُ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ ، فَتَقَيَّدَ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ بِالْقَرِينَةِ ؛ أَيْ : حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدِّينِ ، وَإِلَّا فَقَدَ وَقَعَتْ فِتَنٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341235ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ .
وَانْتِفَاءُ الْفِتْنَةِ يَتَحَقَّقُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْإِسْلَامِ فَتَزُولَ فِتْنَتُهُمْ فِيهِ ، وَإِمَّا بِأَنْ يُقْتَلُوا جَمِيعًا فَتَزُولَ الْفِتْنَةُ بِفَنَاءِ الْفَاتِنِينَ .
وَقَدْ يُفْرَضُ انْتِفَاءُ الْفِتْنَةِ بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ وَمَصِيرِ الْمُشْرِكِينَ ضُعَفَاءَ أَمَامَ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، بِحَيْثُ يَخْشَوْنَ بَأْسَهُمْ ، إِلَّا أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمَّا كَانَتْ نَاشِئَةً عَنِ التَّصَلُّبِ فِي دِينِهِمْ وَشِرْكِهِمْ لَمْ تَكُنْ بِالَّتِي تَضْمَحِلُّ عِنْدَ ضَعْفِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى إِرْضَاءِ الْعَقِيدَةِ يَصْدُرُ حَتَّى مِنَ الضَّعِيفِ كَمَا صَدَرَ مِنَ
الْيَهُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي
الْمَدِينَةِ فِي مِثْلِ قِصَّةِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ ، وَقَتْلِهِمْ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الْحَارِثِيَّ فِي
خَيْبَرَ ، وَلِذَلِكَ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا إِلَّا أَحَدَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا دُخُولُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِمَّا إِفْنَاؤُهُمْ بِالْقَتْلِ ، وَقَدْ حَصَلَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي الْمُشْرِكِينَ فَفَرِيقٌ أَسْلَمُوا ، وَفَرِيقٌ قُتِلُوا يَوْمَ
بَدْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْغَزَوَاتِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=8835لَا تُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الْجِزْيَةُ ، وَمِنْ ثَمَّ فَسَّرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْفِتْنَةَ هُنَا بِالشِّرْكِ تَفْسِيرًا بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْمَعْنَى لَا بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَهُوَ مَعْمُولٌ لِـ " أَنِ " الْمُضْمَرَةِ بَعْدَ ( حَتَّى ) ، أَيْ : وَحَتَّى يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ؛ أَيْ : حَتَّى لَا يَكُونَ دِينٌ هُنَالِكَ إِلَّا لِلَّهِ ؛ أَيْ : وَحْدَهُ .
فَالتَّعْرِيفُ فِي الدِّينِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّ الدِّينَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوَاهِي الَّتِي لَا أَفْرَادَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَلَا يَحْتَمِلُ تَعْرِيفُهُ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ .
وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لَامُ الِاخْتِصَاصِ ؛ أَيْ : حَتَّى يَكُونَ جِنْسُ الدِّينِ مُخْتَصًّا بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرَ فِي قَوْلِهِ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَذَلِكَ يَئُولُ إِلَى مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ ؛ إِذْ لَا نَظَرَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْأَفْرَادِ ، وَالْمَعْنَى : وَيَكُونَ دِينُ الَّذِينَ تُقَاتِلُونَهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ لَا حَظَّ لِلْإِشْرَاكِ فِيهِ .
[ ص: 209 ] وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَخْلِيصُ بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ دِينِ الشِّرْكِ وَعُمُومُ الْإِسْلَامِ لَهَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَهَا لِأَنْ تَكُونَ قَلْبَ الْإِسْلَامِ وَمَنْبَعَ مَعِينِهِ ، فَلَا يَكُونُ الْقَلْبُ صَالِحًا إِذَا كَانَ مَخْلُوطَ الْعَنَاصِرِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَثَرًا جَيِّدًا قَالَ : جَاءَ رَجُلَانِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَيَّامَ فِتْنَةِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا : إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا مَا تَرَى وَأَنْتَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ ؟ فَقَالَ : يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي ، فَقَالَا : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : قَاتَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا عَذَّبُوهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ .
وَسَيَأْتِي بَيَانٌ آخَرُ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193nindex.php?page=treesubj&link=28973_32527_7880فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ أَيْ : فَإِنِ انْتَهَوْا عَنْ نَقْضِ الصُّلْحِ أَوْ فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الشِّرْكِ بِأَنْ آمَنُوا فَلَا عُدْوَانَ عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَاحْتِيجَ إِلَيْهِ لِبُعْدِ الصِّفَةِ بِطُولِ الْكَلَامِ وَلِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ التَّصْرِيحَ بِأَهَمِّ الْغَايَتَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ آخِرَ الْكَلَامِ نَسَخَ أَوَّلَهُ وَأَوْجَبَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ حَالٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قَائِمٌ مَقَامَ جَوَابِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ ، وَالْمَعْنَى : فَإِنِ انْتَهَوْا عَنْ قِتَالِكُمْ وَلَمْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ ، فَلَا تَأْخُذُوهُمْ بِالظِّنَّةِ وَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ ظَالِمِينَ ؛ وَإِذْ لَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَهُوَ مَجَازٌ بَدِيعٌ .
وَالْعُدْوَانُ هُنَا إِمَّا مَصْدَرُ ( عَدَا ) بِمَعْنَى وَثَبَ وَقَاتَلَ ؛ أَيْ : فَلَا هُجُومَ عَلَيْهِمْ ، وَإِمَّا مَصْدَرُ ( عَدَا ) بِمَعْنَى ظَلَمَ كَاعْتَدَى ، فَتَكُونُ تَسْمِيَتُهُ عُدْوَانًا مُشَاكَلَةً لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193عَلَى الظَّالِمِينَ كَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ بِالسُّوءِ سَيِّئَةً ؛ وَهَذِهِ الْمُشَاكَلَةُ تَقْدِيرِيَّةٌ .