أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين .
استئناف من كلامه انتقل به من غرض الدعوة الأصلية بقوله ( ألا تتقون ) إلى آخره إلى الدعوة التفصيلية بوضع قوانين المعاملة بينهم ، فقد كانوا مع شركهم بالله يطففون المكيال والميزان ويبخسون أشياء الناس إذا ابتاعوها منهم ، ويفسدون في الأرض . فأما فظلم وأكل مال بالباطل ، ولما كان تجارهم قد تمالئوا عليه اضطر الناس إلى التبايع بالتطفيف . تطفيف الكيل والميزان
و ( أوفوا ) أمر بالإيفاء ، أي : جعل الشيء تاما ، أي : اجعلوا الكيل غير ناقص . والمخسر : فاعل الخسارة لغيره ، أي : المنقص ، فمعنى ( ولا تكونوا من المخسرين ) لا تكونوا من المطففين . وصوغ ( من المخسرين ) أبلغ من : لا تكونوا مخسرين . لأنه يدل على الأمر بالتبرؤ من أهل هذا الصنيع ، كما تقدم آنفا في عدة آيات منها قوله ( لتكونن من المرجومين ) في قصة نوح .
[ ص: 185 ] والقسطاس : بضم القاف وبكسرها من أسماء العدل ، ومن أسماء الميزان وتقدم في قوله تعالى : وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا في سورة الإسراء ، حمل على المعنيين هنا كما هنالك وإن كان الوصف ب ( المستقيم ) يرجح أن المقصود به الميزان ، وتقدم تفصيل ما يرجع إليه هذا التشريع في قصته في الأعراف .
وقرأ الجمهور ( بالقسطاس ) بضم القاف . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بكسر القاف .
وبخس أشياء الناس : غبن منافعها وذمها بغير ما فيها ليضطروهم إلى بيعها بغبن ، وأما الفساد فيقع على جميع المعاملات الضارة .
والبخس : النقص والذم . وتقدم في قوله ( ولا يبخس منه شيئا ) في سورة البقرة ، ونظيره في سورة الأعراف . وقد تقدم نظير بقية الآية في سورة هود . ومن بخس الأشياء أن يقولوا للذي يعرض سلعة سليمة للبيع : إن سلعتك رديئة ليصرف عنها الراغبين فيشتريها برخص .