nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28998_31971وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين .
قال
سليمان هذه المقالة في مجمع عظيم ; لأن لهجة هذا الكلام لهجة خطبته في مجمع من الناس الحاضرين مجلسه من الخاصة والسامعين من العامة . فهذه الجملة متضمنة شكر الله تعالى ما منحه من علم وملك ، وليقدر الناس قدره ويعلموا واجب طاعته إذ كان الله قد اصطفاه لذلك ، وأطلعه على نوايا أنفر الحيوان وأبعده عن إلف الإنسان وهو الطير ، فما ظنك بمعرفة نوايا الناس من رعيته وجنده فإن تخطيط رسوم الملك وواجباته من المقاصد لصلاح المملكة بالتفاف الناس حول ملكهم وصفاء النيات نحوه ، وبمقدار ما يحصل ذلك من جانبهم يكون التعاون على الخير وتنزل السكينة الربانية ، فلما حصل من جانب
سليمان الاعتراف بهذا الفضل لله تعالى فقد أدى واجبه نحو أمته فلم يبق إلا أن تؤدي الأمة واجبها نحو ملكها ، كما كان
nindex.php?page=treesubj&link=30173تعليم فضائل النبوة من مقاصد الشرع ، فقد قال النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341400أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي : أقوله لقصد الإعلام بواجب التقادير لا لقصد الفخر على الناس ، ويعلموا واجب طاعته .
وعلم منطق الطير أوتيه
سليمان من طريق الوحي بأن أطلعه الله على ما في تقاطيع وتخاليف صفير الطيور أو نعيقها من دلالة على ما في إدراكها وإرادتها . وفائدة هذا العلم أن الله جعله سبيلا له يهتدي به إلى تعرف أحوال عالمية يسبق الطير إلى إدراكها بما أودع فيه من القوى الكثيرة ، وللطير دلالة في تخاطب أجناسها واستدعاء أصنافها والإنباء بما حولها ما فيه عون على تدبير ملكه
[ ص: 237 ] وسياسة أمته ، مثل استخدام نوع الهدهد في إبلاغ الأخبار وردها ونحو ذلك .
ووراء ذلك كله انشراح الصدر بالحكمة والمعرفة للكثير من طبائع الموجودات وخصائصها . ودلالة أصوات الطير على ما في ضمائرها : بعضها مشهور كدلالة بعض أصواته على نداء الذكور لإناثها ، ودلالة بعضها على اضطراب الخوف حين يمسكه ممسك أو يهاجمه كاسر ، ووراء ذلك دلالات فيها تفصيل ، فكل كيفية من تلك الدلالات الإجمالية تنطوي على تقاطيع خفية من كيفيات صوتية يخالف بعضها بعضا فيها دلالات على أحوال فيها تفضيل لما أجملته الأحوال المجملة ، فتلك التقاطيع لا يهتدي إليها الناس ولا يطلع عليها إلا خالقها ، وهذا قريب من دلالة مخارج الحروف وصفاتها في لغة من اللغات وفكها وإدغامها واختلاف حركاتها على معان لا يهتدي إليها من يعرف تلك اللغة معرفة ضعيفة ولم يتقن دقائقها ، مثل أن يسمع ضللت وظللت ، فالله تعالى أطلع
سليمان بوحي على مختلف التقاطيع الصوتية التي في صفير الطير وأعلمه بأحوال نفوس الطير عندما تصفر بتلك التقاطيع ، وقد كان الناس في حيرة من ذلك كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري :
أبكت تلكم الحمامة أم غـنـ ت على غصن دوحها المياد
وقال صاحبنا الشاعر البليغ الشيخ
عبد العزيز المسعودي من أبيات في هذا المعنى :
فمن كان مسرورا يراه تغنيا ومن كان محزونا يقول ينوح
والاقتصار على منطق الطير إيجاز ; لأنه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=31971_31972علم منطق الطير وهي أبعد الحيوان عن الركون إلى الإنسان وأسرعها نفورا منه ، علم أن منطق ما هو أكثر اختلاطا بالإنسان حاصل له بالأحرى كما يدل عليه قوله تعالى فيما يأتي قريبا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19فتبسم ضاحكا من قولها ، فتدل هذه الآية على أنه علم منطق كل صنف من أصناف الحيوان . وهذا العلم سماه العرب علم الحكل بضم الحاء المهملة وسكون الكاف قال
الحجاج وقيل ابنه
رؤبة :
لو أنني أوتيت علم الحكـل علم سليمان كلام النـمـل
[ ص: 238 ] أو أنني عمرت عمر الحسل أو عمر نوح زمن الفطحل
كنت رهين هرم أو قتـل
وعبر عن أصوات الطير بلفظ ( منطق ) تشبيها له بنطق الإنسان من حيث هو ذو دلالة
لسليمان على ما في ضمائر الطير ، فحقيقة المنطق الصوت المشتمل على حروف تدل على معان .
وضمير ( علمنا ) و ( أتينا ) مراد به نفسه ، جاء به على صيغة المتكلم المشارك ; إما لقصد التواضع كأن جماعة علموا وأوتوا وليس هو وحده كما تقدم في بعض احتمالات قوله تعالى آنفا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=15وقالا الحمد لله الذي فضلنا ، وإما لأنه المناسب لإظهار عظمة الملك ، وفي ذلك تهويل لأمر السلطان عند الرعية ، وقد يكون ذلك من مقتضى السياسة في بعض الأحوال كما أجاب
معاوية عمر رضي الله عنهما حين لقيه في جند ( وأبهة ) ببلاد
الشام فقال
عمر لمعاوية : أكسروية يا
معاوية ؟ فقال
معاوية : إنا في بلاد من ثغور العدو فلا يرهبون إلا مثل هذا . فقال
عمر : خدعة أريب أو اجتهاد مصيب لا آمرك ولا أنهاك . فترك الأمر لعهدة
معاوية وما يتوسمه من أساليب سياسة الأقوام .
والمراد ب (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16كل شيء ) كل شيء من الأشياء المهمة ففي (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16كل شيء ) عمومان عموم ( كل ) وعموم النكرة وكلاهما هنا عموم عرفي ، ف ( كل ) مستعملة في الكثرة و ( شيء ) مستعمل في الأشياء المهمة مما له علاقة بمقام
سليمان ، وهو كقوله تعالى فيما حكى عن أخبار الهدهد :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ، أي : كثير من النفائس والأموال . وفي كل مقام يحمل على ما يناسب المتحدث عنه .
والتأكيد في
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16إن هذا لهو الفضل المبين بحرف التوكيد ولامه الذي هو في الأصل لام قسم وبضمير الفصل مقصود به
nindex.php?page=treesubj&link=19607_29485تعظيم النعمة أداء للشكر عليها بالمستطاع من العبارة .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16الفضل ) : الزيادة من الخير والنفع . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16المبين ) : الظاهر الواضح .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28998_31971وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهْوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ .
قَالَ
سُلَيْمَانُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي مَجْمَعٍ عَظِيمٍ ; لِأَنَّ لَهْجَةَ هَذَا الْكَلَامِ لَهْجَةُ خُطْبَتِهِ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالسَّامِعِينَ مِنَ الْعَامَّةِ . فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَضَمِّنَةٌ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مَا مَنَحَهُ مِنْ عِلْمٍ وَمُلْكٍ ، وَلِيُقَدِّرَ النَّاسُ قَدْرَهُ وَيَعْلَمُوا وَاجِبَ طَاعَتِهِ إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدِ اصْطَفَاهُ لِذَلِكَ ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى نَوَايَا أَنْفَرِ الْحَيَوَانِ وَأَبْعَدِهِ عَنْ إِلْفِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ الطَّيْرُ ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَعْرِفَةِ نَوَايَا النَّاسِ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ فَإِنَّ تَخْطِيطَ رُسُومِ الْمُلْكِ وَوَاجِبَاتِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ لِصَلَاحِ الْمَمْلَكَةِ بِالْتِفَافِ النَّاسِ حَوْلَ مَلِكِهِمْ وَصَفَاءِ النِّيَّاتِ نَحْوِهِ ، وَبِمِقْدَارِ مَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِهِمْ يَكُونُ التَّعَاوُنُ عَلَى الْخَيْرِ وَتَنْزِلُ السِّكِّينَةُ الرَّبَّانِيَّةُ ، فَلَمَّا حَصَلَ مِنْ جَانِبِ
سُلَيْمَانَ الِاعْتِرَافَ بِهَذَا الْفَضْلِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَدَّى وَاجِبَهُ نَحْوَ أُمَّتِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْأُمَّةُ وَاجِبَهَا نَحْوَ مَلِكِهَا ، كَمَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=30173تَعْلِيمُ فَضَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341400أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ أَيْ : أَقُولُهُ لِقَصْدِ الْإِعْلَامِ بِوَاجِبِ التَّقَادِيرِ لَا لِقَصْدِ الْفَخْرِ عَلَى النَّاسِ ، وَيَعْلَمُوا وَاجِبَ طَاعَتِهِ .
وَعِلْمُ مَنْطِقِ الطَّيْرِ أُوتِيَهُ
سُلَيْمَانُ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ بِأَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي تَقَاطِيعِ وَتَخَالِيفِ صَفِيرِ الطُّيُورِ أَوْ نَعِيقِهَا مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى مَا فِي إِدْرَاكِهَا وَإِرَادَتِهَا . وَفَائِدَةُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَبِيلًا لَهُ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ عَالَمِيَّةٍ يَسْبِقُ الطَّيْرُ إِلَى إِدْرَاكِهَا بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنَ الْقُوَى الْكَثِيرَةِ ، وَلِلطَّيْرِ دَلَالَةٌ فِي تَخَاطُبِ أَجْنَاسِهَا وَاسْتِدْعَاءِ أَصْنَافِهَا وَالْإِنْبَاءِ بِمَا حَوْلَهَا مَا فِيهِ عَوْنٌ عَلَى تَدْبِيرِ مُلْكِهِ
[ ص: 237 ] وَسِيَاسَةِ أُمَّتِهِ ، مِثْلُ اسْتِخْدَامِ نَوْعِ الْهُدْهُدِ فِي إِبْلَاغِ الْأَخْبَارِ وَرَدِّهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَوَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ لِلْكَثِيرِ مِنْ طَبَائِعِ الْمَوْجُودَاتِ وَخَصَائِصِهَا . وَدَلَالَةُ أَصْوَاتِ الطَّيْرِ عَلَى مَا فِي ضَمَائِرِهَا : بَعْضُهَا مَشْهُورٌ كَدَلَالَةِ بَعْضِ أَصْوَاتِهِ عَلَى نِدَاءِ الذُّكُورِ لِإِنَاثِهَا ، وَدَلَالَةِ بَعْضِهَا عَلَى اضْطِرَابِ الْخَوْفِ حِينَ يُمْسِكُهُ مُمْسِكٌ أَوْ يُهَاجِمُهُ كَاسِرٌ ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ دَلَالَاتٌ فِيهَا تَفْصِيلٌ ، فَكُلُّ كَيْفِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ تَنْطَوِي عَلَى تَقَاطِيعَ خَفِيَّةٍ مِنْ كَيْفِيَّاتٍ صَوْتِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِيهَا دَلَالَاتٌ عَلَى أَحْوَالٍ فِيهَا تَفْضِيلٌ لِمَا أَجْمَلَتْهُ الْأَحْوَالُ الْمُجْمَلَةُ ، فَتِلْكَ التَّقَاطِيعُ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا النَّاسُ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا خَالِقُهَا ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ دَلَالَةِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَصِفَاتِهَا فِي لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ وَفَكِّهَا وَإِدْغَامِهَا وَاخْتِلَافِ حَرَكَاتِهَا عَلَى مَعَانٍ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا مَنْ يَعْرِفُ تِلْكَ اللُّغَةَ مَعْرِفَةً ضَعِيفَةً وَلَمْ يُتْقِنْ دَقَائِقَهَا ، مِثْلُ أَنْ يَسْمَعَ ضَلَلْتُ وَظَلِلْتُ ، فَاللَّهُ تَعَالَى أَطْلَعَ
سُلَيْمَانَ بِوَحْيٍ عَلَى مُخْتَلَفِ التَّقَاطِيعِ الصَّوْتِيَّةِ الَّتِي فِي صَفِيرِ الطَّيْرِ وَأَعْلَمَهُ بِأَحْوَالِ نُفُوسِ الطَّيْرِ عِنْدَمَا تَصْفُرُ بِتِلْكَ التَّقَاطِيعِ ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي حِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّي :
أَبَكَتْ تِلْكُمُ الْحَمَامَةُ أَمْ غَـنَّـ تْ عَلَى غُصْنِ دَوْحِهَا الْمَيَّادِ
وَقَالَ صَاحِبُنَا الشَّاعِرُ الْبَلِيغُ الشَّيْخُ
عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَسْعُودِيُّ مِنْ أَبْيَاتٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى :
فَمَنْ كَانَ مَسْرُورًا يَرَاهُ تَغَنِّيًا وَمَنْ كَانَ مَحْزُونًا يَقُولُ يَنُوحُ
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَنْطِقِ الطَّيْرِ إِيجَازٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=31971_31972عَلِمَ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْحَيَوَانِ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَأَسْرَعُهَا نُفُورًا مِنْهُ ، عَلِمَ أَنَّ مَنْطِقَ مَا هُوَ أَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالْإِنْسَانِ حَاصِلٌ لَهُ بِالْأَحْرَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ، فَتَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ مَنْطِقَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ . وَهَذَا الْعِلْمُ سَمَّاهُ الْعَرَبُ عَلِمَ الْحُكْلِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ
الْحَجَّاجُ وَقِيلَ ابْنُهُ
رُؤْبَةُ :
لَوْ أَنَّنِي أُوتِيتُ عِلْمَ الْحُكْـلِ عِلْمَ سُلَيْمَانَ كَلَامَ النَّـمْـلِ
[ ص: 238 ] أَوْ أَنَّنِي عُمِّرْتُ عُمْرَ الْحِسْلِ أَوْ عُمْرَ نُوحٍ زَمَنَ الْفِطَحْلِ
كُنْتُ رَهِينَ هَرَمٍ أَوْ قَتْـلِ
وَعَبَّرَ عَنْ أَصْوَاتِ الطَّيْرِ بِلَفْظِ ( مَنْطِقَ ) تَشْبِيهًا لَهُ بِنُطْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذُو دَلَالَةٍ
لِسُلَيْمَانَ عَلَى مَا فِي ضَمَائِرِ الطَّيْرِ ، فَحَقِيقَةُ الْمَنْطِقِ الصَّوْتُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى حُرُوفٍ تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ .
وَضَمِيرُ ( عُلِّمْنَا ) وَ ( أُتِينَا ) مُرَادٌ بِهِ نَفْسُهُ ، جَاءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارَكِ ; إِمَّا لِقَصْدِ التَّوَاضُعِ كَأَنَّ جَمَاعَةً عُلِّمُوا وَأُوتُوا وَلَيْسَ هُوَ وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ احْتِمَالَاتِ قَوْلِهِ تَعَالَى آنِفًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=15وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِإِظْهَارِ عَظَمَةِ الْمُلْكَ ، وَفِي ذَلِكَ تَهْوِيلٌ لِأَمْرِ السُّلْطَانِ عِنْدَ الرَّعِيَّةِ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى السِّيَاسَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا أَجَابَ
مُعَاوِيَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ لَقِيَهُ فِي جُنْدٍ ( وَأُبَّهَةٍ ) بِبِلَادِ
الشَّامِ فَقَالَ
عُمَرُ لِمُعَاوِيَةَ : أَكِسْرَوِيَّةً يَا
مُعَاوِيَةُ ؟ فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : إِنَّا فِي بِلَادٍ مِنْ ثُغُورِ الْعَدُوِّ فَلَا يَرْهَبُونَ إِلَّا مِثْلَ هَذَا . فَقَالَ
عُمَرُ : خُدْعَةُ أَرِيبٍ أَوِ اجْتِهَادُ مُصِيبٍ لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ . فَتَرَكَ الْأَمْرَ لِعُهْدَةِ
مُعَاوِيَةَ وَمَا يَتَوَسَّمُهُ مِنْ أَسَالِيبِ سِيَاسَةِ الْأَقْوَامِ .
وَالْمُرَادُ بِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16كُلِّ شَيْءٍ ) كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُهِمَّةِ فَفِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16كُلِّ شَيْءٍ ) عُمُومَانِ عُمُومُ ( كُلِّ ) وَعُمُومُ النَّكِرَةِ وَكِلَاهُمَا هُنَا عُمُومٌ عُرْفِيٌّ ، فَ ( كُلِّ ) مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وَ ( شَيْءٍ ) مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُهِمَّةِ مِمَّا لَهُ عَلَاقَةٌ بِمَقَامِ
سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَى عَنْ أَخْبَارِ الْهُدْهُدِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، أَيْ : كَثِيرٌ مِنَ النَّفَائِسِ وَالْأَمْوَالِ . وَفِي كُلِّ مَقَامٍ يُحْمَلُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ .
وَالتَّأْكِيدُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَلَامِهِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ لَامُ قَسَمٍ وَبِضَمِيرِ الْفَصْلِ مَقْصُودٌ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=19607_29485تَعْظِيمُ النِّعْمَةِ أَدَاءً لِلشُّكْرِ عَلَيْهَا بِالْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْعِبَارَةِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16الْفَضْلُ ) : الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16الْمُبِينُ ) : الظَّاهِرُ الْوَاضِحُ .