وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين .
يجوز أن يكون عطفا على قوله : هذا من فضل ربي الآية وما بينهما اعتراضا أي : هذا من قول سليمان .
ويجوز أن يكون عطفا على قوله : ( ننظر أتهتدي ) الآية وما بينهما اعتراضا كذلك ، ويجوز أن يكون عطفا على ( أهكذا عرشك ) وما بينهما اعتراضا به جوابها ، أي : وقيل أوتينا العلم من قبلها ، أي : قال القائل : أهكذا عرشك ، أي : قال سليمان ذلك في ملئه عقب اختيار رأيها شكرا لله على ما لديه من العلم ، أو قال بعض ملأ سليمان لبعض هذه المقالة . ولعلهم تخافتوا به أو رطنوه بلغتهم العبرية [ ص: 274 ] بحيث لا تفهمهم . وقالوا ذلك بهجين بأن فيهم من له من العلم ما ليس لملأ ملكة سبأ ، أي : لا ننسى بما نشاهده من بهرجات هذه الملكة أننا في حالة عقلية أفضل . وأرادوا بالعلم علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته ، وتشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه فقد كانوا أهل معرفة أنشئوا بها حضارة مبهتة .
فمعنى ( من قبلها ) إن حمل على ظاهره أن قومهم بني إسرائيل كانوا أسبق في معرفة الحكمة وحضارة الملك من أهل سبأ ; لأن الحكمة ظهرت في بني إسرائيل من عهد موسى ، فقد سن لهم الشريعة ، وأقام لهم نظام الجماعة ، وعلمهم أسلوب الحضارة بتخطيط رسوم مساكنهم وملابسهم ونظام الجيش والحرب والمواسم والمحافل . ثم أخذ ذلك يرتقي إلى أن بلغ غاية بعيدة في مدة سليمان ، فبهذا الاعتبار كان بنو إسرائيل أسبق إلى علم الحكمة قبل أهل سبأ . وإن أريد ب ( من قبلها ) القبلية الاعتبارية وهي الفضل والتفوق في المزايا وهو الأليق بالمعنى كان المعنى : إنا أوسع وأقوى منها علما ، كما قال النبيء صلى الله عليه وسلم : أي : نحن الأولون في غايات الهدى ، وجعل مثلا لذلك اهتداء أهل الإسلام ليوم الجمعة فقال : نحن الأولون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا . فكان الأرجح أن يكون معنى ( من قبلها ) أنا فائتونها في العلم وبالغون ما لم تبلغه . وزادوا في إظهار فضلهم عليها بذكر الناحية الدينية ، أي : وكنا مسلمين دونها . وفي ذكر فعل الكون دلالة على تمكنهم من الإسلام منذ القدم . وهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه
وصدها هي عن الإسلام ما كانت تعبد من دون الله ، أي : صدها معبودها من دون الله ، ومتعلق الصد محذوف لدلالة الكلام عليه في قوله : ( وكنا مسلمين ) . وما كانت تعبده هو الشمس . وإسناد الصد إلى المعبود مجاز عقلي ; لأنه بسبب صدها عن التوحيد كقوله تعالى ( وما زادوهم غير تتبيب ) وقوله ( غر هؤلاء دينهم ) .
وفي ذكر فعل الكون مرتين في ( ما كانت تعبد ) ، و ( إنها كانت من قوم كافرين ) دلالة على تمكنها من عبادة الشمس وكان ذلك التمكن بسبب الانحدار من سلالة المشركين ، فالشرك منطبع في نفسها بالوراثة ، فالكفر قد أحاط بها [ ص: 275 ] بتغلغله في نفسها وبنشأتها عليه وبكونها بين قوم كافرين فمن أين يخلص إليها الهدى والإيمان .