قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .
بهرها ما رأت من آيات علمت منها أن سليمان صادق فيما دعاها إليه وأنه مؤيد من الله تعالى ، وعلمت أن دينها ودين قومها باطل فاعترفت بأنها ظلمت نفسها في اتباع الضلال بعبادة الشمس . وهذا درجة أولى في الاعتقاد وهو درجة التخلية ، ثم صعدت إلى الدرجة التي فوقها وهي درجة التحلي بالإيمان الحق فقالت : وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين فاعترفت بأن الله هو رب جميع الموجودات ، وهذا مقام التوحيد .
وفي قولها ( مع سليمان ) إيمان بالدين الذي تقلده سليمان وهو دين [ ص: 277 ] اليهودية ، وقد أرادت جمع معاني الدين في هذه الكلمة ليكون تفصيلها فيما تتلقاه من سليمان من الشرائع والأحكام .
وجملة قالت رب إني ظلمت نفسي جواب عن قول سليمان إنه صرح ممرد من قوارير ولذلك لم تعطف .
والإسلام : الانقياد إلى الله تعالى . وتقلد بلقيس للتوحيد كان في خاصة نفسها ; لأنها دانت لله بذلك ; إذ لم يثبت أن أهل سبأ انخلعوا عن عبادة الأصنام كما يأتي في سورة سبأ . وأما دخول اليهودية بلاد اليمن فيأتي في سورة البروج . وسكت القرآن عن بقية خبرها ورجوعها إلى بلادها وللقصاصين أخبار لا تصح فهذا تمام القصة .
ومكان العبرة منها الاتعاظ بحال هذه الملكة ، إذ لم يصدها علو شأنها وعظمة سلطانها مع ما أوتيته من سلامة الفطرة وذكاء العقل عن أن تنظر في دلائل صدق الداعي إلى التوحيد ، وتوقن بفساد الشرك ، وتعترف بالوحدانية لله ، فما يكون إصرار المشركين على شركهم بعد أن جاءهم الهدي الإسلامي إلا لسخافة أحلامهم ، أو لعمايتهم عن الحق وتمسكهم بالباطل وتصلبهم فيه . ولا أصل لما يذكره القصاصون وبعض المفسرين من أن سليمان تزوج بلقيس ولا أن له ولدا منها . فإن رحبعام ابنه الذي خلفه في الملك كان من زوجة عمونية .