nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679_32022_28658_28661أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون
أم منقطعة بمعنى بل للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض مع مراعاة وجود معنى الاستفهام أو لفظه بعدها ؛ لأن أم لا تفارق معنى الاستفهام . انتقل بهذا الإضراب من الاستفهام الحقيقي التهكمي إلى الاستفهام التقريري ، ومن المقدمة الإجمالية وهي قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59آلله خير أم ما تشركون " ، إلى الغرض المقصود وهو الاستدلال . عدد الله الخيرات والمنافع من آثار رحمته ومن آثار قدرته . فهو استدلال مشوب بامتنان ؛ لأنه ذكرهم بخلق السماوات والأرض فشمل ذلك كل الخلائق التي تحتوي عليها الأرض من الناس والعجماوات ، فهو امتنان بنعمة إيجادهم وإيجاد ما به قوام شئونهم في الحياة ، وبسابق رحمته ، كما عددها في موضع آخر عليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون .
و " من " للاستفهام . وهي مبتدأ والخبر جملة خلق السماوات إلخ وهو استفهام تقريري على أن الله إله واحد لا شريك له ، ولا تقدير في الكلام . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وجميع متابعيه إلى أن " من " موصولة وأن خبرها محذوف دل عليه قوله فيما تقدم " آلله خير " وأن بعد " أم " همزة استفهام محذوفة ، والتقدير : بل أمن خلق السماوات إلخ خير أم ما تشركون . وهو تفسير لا داعي إليه ولا يناسب معنى الإضراب ؛ لأنه يكون في جملة الغرض الأول على ما فسر به في الكشاف فلا يجدر به إضراب الانتقال .
فالاستفهام تقرير كما دل عليه قوله في نهايته في أإله مع الله فهو تقرير
[ ص: 11 ] لإثبات أن الخالق والمنبت والرازق هو الله ، وهو مشوب بتوبيخ ، فلذلك ذيل بقوله بل هم قوم يعدلون كما سيأتي ، أي من غرض الدليل الإجمالي إلى التفصيل .
والخطاب بـ " لكم " موجه إلى المشركين للتعويض بأنهم ما شكروا نعمة الله .
وذكر إنزال الماء ؛ لأنه من جملة ما خلقه الله ، ولقطع شبهة أن يقولوا : إن المنبت للشجر الذي فيه رزقنا هو الماء ، اغترارا بالسبب فبودروا بالتذكير بأن الله خلق الأسباب وهو الأسباب وهو خالق المسببات بإزالة الموانع والعوارض العارضة لتأثير الأسباب وبتوفير القوى الحاصلة في الأسباب ، وتقدير المقادير المناسبة للانتفاع بالأسباب ، فقد ينزل الماء بإفراط فيجرف الزرع والشجر أو يقتلهما ، ولذلك جمع بين قوله " وأنزلنا " وقوله " فأنبتنا " تنبيها على إزالة الشبهة .
ونون الجمع في " أنبتنا " التفات من الغيبة إلى الحضور . ومن لطائفه هنا التنصيص على أن المقصود إسناد الإنبات إليه لئلا ينصرف ضمير الغائب إلى الماء ؛ لأن التذكير بالمنبت الحقيقي الذي خلق الأسباب أليق بمقام التوبيخ على عدم رعايتهم نعمه .
والإنبات : تكوين النبات .
والحدائق : جمع حديقة وهي البستان والجنة التي فيها نخل وعنب . سميت حديقة ؛ لأنهم كانوا يحدقون بها حائطا يمنع الداخل إليها صونا للعنب ؛ لأنه ليس كالنخل الذي يعسر اجتناء ثمره لارتفاع شجره فهي بمعنى : محدق بها . ولا تطلق الحديقة إلا على ذلك .
والبهجة : حسن المنظر ؛ لأن الناظر يبتهج به .
ومعنى ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ليس في ملككم أن تنبتوا شجر تلك الحدائق ، فاللام في لكم للملك و " أن تنبتوا " اسم كان و " لكم " خبرها . وقدم الخبر على الاسم للاهتمام بنفي ملك ذلك .
وجملة أإله مع الله استئناف هو كالنتيجة للجملة قبلها ؛ لأن إثبات الخلق
[ ص: 12 ] والرزق والإنعام لله تعالى بدليل لا يسعهم إلا الإقرار به ينتج أنه لا إله معه .
والاستفهام إنكاري . و ( بل ) للإضراب عن الاستفهام الإنكاري تفيد معنى ( لكن ) باعتبار ما تضمنه الإنكار من انتفاء أن يكون مع الله إله فكان حق الناس أن لا يشركوا معه في الإلهية غيره فجيء بالاستدراك ؛ لأن المخاطبين بقوله وأنزل لكم وقوله : ما كان لكم أن تنبتوا شجرها لم ينتفعوا بالدليل مع أنه دليل ظاهر مكشوف ، فهم مكابرون في إعراضهم عن الاهتداء بهذا الدليل ، فهم يعدلون بالله غيره ، أي يجعلون غيره عديلا مثيلا له في الإلهية مع أن غيره عاجز عن ذلك فيكون يعدلون من عدل الذي يتعدى بالباء ، أو يعدلون عن الحق من عدل الذي يعدى بـ ( عن ) .
وسئل بعض العرب عن
الحجاج فقال : قاسط عادل ، فظنوه أثنى عليه فبلغت كلمته
للحجاج ، فقال : أراد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا أي وذلك قرينة على أن المراد بـ ( عادل ) أنه عادل عن الحق .
وأيا ما كان فالمقصود توبيخهم على الإشراك مع وضوح دلالية خلق السماوات والأرض وما ينزل من السماء إلى الأرض من الماء .
ولما كانت تلك الدلالة أوضح الدلالات المحسوسة الدالة على انفراد الله بالخلق وصف الذين أشركوا مع الله غيره بأنهم في إشراكهم معرضون إعراض مكابرة عدولا عن الحق الواضح قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله والإخبار عنهم بالمضارع لإفادة أنهم مستمرون على شركهم لم يستنيروا بدليل العقل ولا أقلعوا بعد التذكير بالدلائل . وفي الإخبار عنهم بأنهم قوم إيماء إلى تمكن صفة العدول عن الحق منهم حتى كأنها من مقومات قوميتهم كما تقدم غير مرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679_32022_28658_28661أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ أَوْ لَفْظِهِ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ أَمْ لَا تُفَارِقُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ . انْتَقَلَ بِهَذَا الْإِضْرَابِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ التَّهَكُّمِيِّ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ ، وَمِنَ الْمُقَدِّمَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ " ، إِلَى الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ . عَدَّدَ اللَّهُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعَ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ وَمِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ . فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ مَشُوبٌ بِامْتِنَانٍ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ الْخَلَائِقِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ مِنَ النَّاسِ وَالْعَجْمَاوَاتِ ، فَهُوَ امْتِنَانٌ بِنِعْمَةِ إِيجَادِهِمْ وَإِيجَادِ مَا بِهِ قِوَامُ شُئُونِهِمْ فِي الْحَيَاةِ ، وَبِسَابِقِ رَحْمَتِهِ ، كَمَا عَدَّدَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
وَ " مَنْ " لِلِاسْتِفْهَامِ . وَهِيَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ إِلَخْ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي الْكَلَامِ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَمِيعُ مُتَابِعِيهِ إِلَى أَنَّ " مَنْ " مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ خَبَرَهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ " آللَّهُ خَيْرٌ " وَأَنَّ بَعْدَ " أَمْ " هَمْزَةَ اسْتِفْهَامٍ مَحْذُوفَةً ، وَالتَّقْدِيرُ : بَلْ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ إِلَخْ خَيْرٌ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ . وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ وَلَا يُنَاسِبُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي جُمْلَةِ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْكَشَّافِ فَلَا يَجْدُرُ بِهِ إِضْرَابُ الِانْتِقَالِ .
فَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي نِهَايَتِهِ فِي أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ تَقْرِيرٌ
[ ص: 11 ] لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْخَالِقَ وَالْمُنْبِتَ وَالرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ ، وَهُوَ مَشُوبٌ بِتَوْبِيخٍ ، فَلِذَلِكَ ذَيَّلَ بِقَوْلِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ كَمَا سَيَأْتِي ، أَيْ مِنْ غَرَضِ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ إِلَى التَّفْصِيلِ .
وَالْخِطَابُ بِـ " لَكُمْ " مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِلتَّعْوِيضِ بِأَنَّهُمْ مَا شَكَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ .
وَذَكَرَ إِنْزَالَ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ ، وَلِقَطْعِ شُبْهَةِ أَنْ يَقُولُوا : إِنَّ الْمُنْبِتَ لِلشَّجَرِ الَّذِي فِيهِ رِزْقُنَا هُوَ الْمَاءُ ، اغْتِرَارًا بِالسَّبَبِ فَبُودِرُوا بِالتَّذْكِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَسْبَابَ وَهُوَ الْأَسْبَابُ وَهُوَ خَالِقُ الْمُسَبَّبَاتِ بِإِزَالَةِ الْمَوَانِعِ وَالْعَوَارِضِ الْعَارِضَةِ لِتَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ وَبِتَوْفِيرِ الْقُوَى الْحَاصِلَةِ فِي الْأَسْبَابِ ، وَتَقْدِيرِ الْمَقَادِيرِ الْمُنَاسِبَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَسْبَابِ ، فَقَدْ يُنْزِلُ الْمَاءَ بِإِفْرَاطٍ فَيَجْرُفُ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ أَوْ يَقْتُلُهُمَا ، وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ " وَأَنْزَلَنَا " وَقَوْلِهِ " فَأَنْبَتْنَا " تَنْبِيهًا عَلَى إِزَالَةِ الشُّبْهَةِ .
وَنُونُ الْجَمْعِ فِي " أَنْبَتْنَا " الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ . وَمِنْ لَطَائِفِهِ هُنَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِسْنَادُ الْإِنْبَاتِ إِلَيْهِ لِئَلَّا يَنْصَرِفَ ضَمِيرُ الْغَائِبِ إِلَى الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِالْمُنْبِتِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي خَلَقَ الْأَسْبَابَ أَلْيَقُ بِمَقَامِ التَّوْبِيخِ عَلَى عَدَمِ رِعَايَتِهِمْ نِعَمَهُ .
وَالْإِنْبَاتُ : تَكْوِينُ النَّبَاتِ .
وَالْحَدَائِقُ : جَمْعُ حَدِيقَةٍ وَهِيَ الْبُسْتَانُ وَالْجَنَّةُ الَّتِي فِيهَا نَخْلٌ وَعِنَبٌ . سُمِّيَتْ حَدِيقَةً ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحْدِقُونَ بِهَا حَائِطًا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا صَوْنًا لِلْعِنَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّخْلِ الَّذِي يَعْسُرُ اجْتِنَاءُ ثَمَرِهِ لِارْتِفَاعِ شَجَرِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى : مُحْدَقٌ بِهَا . وَلَا تُطْلَقُ الْحَدِيقَةُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ .
وَالْبَهْجَةُ : حُسْنُ الْمَنْظَرِ ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ يَبْتَهِجُ بِهِ .
وَمَعْنَى مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا لَيْسَ فِي مُلْكِكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَ تِلْكَ الْحَدَائِقِ ، فَاللَّامُ فِي لَكُمْ لِلْمِلْكِ وَ " أَنْ تُنْبِتُوا " اسْمُ كَانَ وَ " لَكُمْ " خَبَرُهَا . وَقَدَّمَ الْخَبَرَ عَلَى الِاسْمِ لِلِاهْتِمَامِ بِنَفْيِ مِلْكِ ذَلِكَ .
وَجُمْلَةُ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ اسْتِئْنَافٌ هُوَ كَالنَّتِيجَةِ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْخَلْقِ
[ ص: 12 ] وَالرِّزْقِ وَالْإِنْعَامِ لِلَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلٍ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الْإِقْرَارُ بِهِ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ مَعَهُ .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ . وَ ( بَلْ ) لِلْإِضْرَابِ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ تُفِيدُ مَعْنَى ( لَكِنَّ ) بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ الْإِنْكَارُ مِنِ انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ فَكَانَ حَقُّ النَّاسِ أَنْ لَا يُشْرِكُوا مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ فَجِيءَ بِالِاسْتِدْرَاكِ ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ وَأَنْزَلَ لَكُمْ وَقَوْلُهُ : مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالدَّلِيلِ مَعَ أَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ مَكْشُوفٌ ، فَهُمْ مُكَابِرُونَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهَذَا الدَّلِيلِ ، فَهُمْ يَعْدِلُونَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ ، أَيْ يَجْعَلُونَ غَيْرَهُ عَدِيلًا مَثِيلًا لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ يَعْدِلُونَ مِنْ عَدَلَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ ، أَوْ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ مَنْ عَدَلَ الَّذِي يُعَدَّى بِـ ( عَنْ ) .
وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَنِ
الْحَجَّاجِ فَقَالَ : قَاسِطٌ عَادِلٌ ، فَظَنُّوهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فَبَلَغَتْ كَلِمَتُهُ
لِلْحَجَّاجِ ، فَقَالَ : أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا أَيْ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِـ ( عَادِلٌ ) أَنَّهُ عَادِلٌ عَنِ الْحَقِّ .
وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمَقْصُودُ تَوْبِيخُهُمْ عَلَى الْإِشْرَاكِ مَعَ وُضُوحِ دَلَالِيَّةِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَاءِ .
وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الدَّلَالَةُ أَوْضَحَ الدَّلَالَاتِ الْمَحْسُوسَةِ الدَّالَّةِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ وَصَفَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ بِأَنَّهُمْ فِي إِشْرَاكِهِمْ مُعْرِضُونَ إِعْرَاضَ مُكَابَرَةٍ عُدُولًا عَنِ الْحَقِّ الْوَاضِحِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى شِرْكِهِمْ لَمْ يَسْتَنِيرُوا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَلَا أَقْلَعُوا بَعْدَ التَّذْكِيرِ بِالدَّلَائِلِ . وَفِي الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ إِيمَاءٌ إِلَى تَمَكُّنِ صِفَةِ الْعُدُولِ عَنِ الْحَقِّ مِنْهُمْ حَتَّى كَأَنَّهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .