[ ص: 32 ] إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم لما سبق ذكر المشركين بطعنهم في القرآن وتكذيبهم بوعيده ، وذكر بني إسرائيل بما يقتضي طعنهم فيه بأنه لمخالفة ما في كتبهم ، وذكر المؤمنين بأنهم اهتدوا به وكان لهم رحمة فهم موقنون بما فيه ، تمخض الكلام عن خلاصة هي افتراق الناس في القرآن فريقين : فريق طاعن ، وفريق موقن ، فلا جرم اقتضى ذلك حدوث تدافع بين الفريقين . وهو مما يثير في نفوس المؤمنين سؤالا عن مدى هذا التدافع ، والتخالف بين الفريقين ومتى ينكشف الحق ، فجاء قوله إن ربك يقضي بينهم بحكمه استئنافا بيانيا فيعلم أن القضاء يقتضي مختلفين . وأن كلمة " بين " تقتضي متعددا ، فأفاد أن الله يقضي بين المؤمنين والطاعنين فيه قضاء يبين المحق من المبطل . وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين عن استبطائهم النصر فإن النبيء أول المؤمنين ، وإنما تقلد المؤمنون ما أنبأهم به فالقضاء للمؤمنين قضاء له بادئ ذي بدء .
وفيه توجيه الخطاب إلى جناب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإسناد القضاء إلى الله في شأنه بعنوان أنه رب له إيماء بأن القضاء سيكون مرضيا له وللمؤمنين . فجعل الرسول في هذا الكلام بمقام المبلغ وجعل القضاء بين أمته مؤمنهم وكافرهم ، وتعجيل لمسرة الرسول بهذا الإيماء .
وإذ قد أسند القضاء إلى الله وعلق به حكم مضاف إلى ضميره فقد تعين أن يكون المراد من المتعلق غير المتعلق به وذلك يلجئ : إما إلى تأويل معنى إضافة الحكم بما يخالف معنى إسناد القضاء إذا اعتبر اللفظان مترادفين لفظا ومعنى ، فيكون ما تدل عليه الإضافة من اختصاص المضاف بالمضاف إليه مقصودا به ما اشتهر به المضاف باعتبار المضاف إليه . وذلك أن الكل يعلمون أن حكم الله هو العدل ولأن المضاف إليه هو الحكم العدل . فالمعنى على هذا أن ربك يقضي بينهم بحكمه المعروف المشتهر اللائق بعموم علمه واطراد عدله ، وإما أن يؤول الحكم بمعنى الحكمة وهو إطلاق شائع قال تعالى وكلا آتينا حكما وعلما وقال وآتيناه الحكم صبيا ولم يكن يحيى حاكما وإنما كان حكيما نبيئا فيكون [ ص: 33 ] المعنى على هذا : إن ربك يقضي بينهم بحكمته ، أي بما تقتضيه الحكمة ، أي من نصر المحق على المبطل .
ومآل التأويلين إلى معنى واحد .
وبه يظهر حسن موقع الاسمين الجليلين في تذييله بقوله وهو العزيز العليم ، فإن العزيز لا يصانع ، والعليم لا يفوته الحق ، ويظهر حسن موقع التفريع بقوله .