[ ص: 135 ] فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا
وهذا متصل بقوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون " ؛ لأن الإنذار يكون بين يدي عذاب .
و " لولا " الأولى حرف امتناع لوجود ، أي انتفاء جوابها لأجل وجود شرطها ، وهو حرف يلزم الابتداء فالواقع بعده مبتدأ ، والخبر عن المبتدإ الواقع بعد " لولا " واجب الحذف وهو مقدر بكون عام . والمبتدأ هنا هو المصدر المنسبك من ( أن وفعل تصيبهم ) والتقدير : لولا إصابتهم بمصيبة ، وقد عقب الفعل المسبوك بمصدر بفعل آخر ، وهو " فيقولوا " ، فوجب أن يدخل هذا الفعل المعطوف في الانسباك بمصدر ، وهو معطوف بفاء التعقيب . فهذا المعطوف هو المقصود مثل قوله تعالى " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " فالمقصود هو ( أن تذكر إحداهما الأخرى ) .
وإنما حيك نظم الكلام على هذا المنوال ولم يقل : ولولا أن يقولوا ربنا إلخ حين تصيبهم مصيبة إلى آخره ، لنكتة الاهتمام بالتحذير من إصابة المصيبة فوضعت في موضع المبتدإ دون موضع الظرف لتساوي المبتدأ المقصود من جملة شرط ( لولا ) فيصبح هو وظرفه عمدتين في الكلام ، فالتقدير هنا : ولولا إصابتهم بمصيبة يعقبها قولهم " ربنا لولا أرسلت " إلخ لما عبأنا بإرسالك إليهم ؛ لأنهم أهل عناد وتصميم على المفر .
فجواب " لولا " محذوف دل عليه ما تقدم من قوله " وما كنت بجانب الغربي " إلى قوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " ، أي ولكنا أعذرنا إليهم بإرسالك لنقطع معذرتهم . وجواب " لولا " محذوف دل عليه الكلام السابق ، أي لولا الرحمة بهم بتذكيرهم وإنذارهم لكانوا مستحقين حلول المصيبة بهم .
و " لولا " الثانية حرف تحضيض ، أي أرسلت إلينا قبل أن تأخذنا بعذاب فتصلح أحوالنا ، وأنت غني عن عذابنا . وانتصب " فنتبع " بأن مضمرة وجوبا في جواب التحضيض .
[ ص: 136 ] وضمير " تصيبهم " عائد إلى القوم الذين لم يأتهم نذير من قبل . والمراد " بما قدمت أيديهم " ما سلف من الشرك .
والمصيبة : ما يصيب الإنسان ، أي يحل به من الأحوال ، وغلب اختصاصها بما يحل بالمرء من العقوبة والأذى .
والباء في " بما قدمت أيديهم " للسببية ، أي عقوبة كان سببها ما سبق على أعمالهم السيئة . والمراد بها هنا عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه ، وتقدم عند قوله تعالى فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم في سورة النساء . وهي ما يجترحونه من الأعمال الفاحشة .
و " ما قدمت أيديهم " ما اعتقدوه من الإشراك وما عملوه من آثار الشرك .
والأيدي مستعار للعقول المكتسبة لعقائد الكفر . فشبه الاعتقاد القلبي بفعل اليد تشبيه معقول بمحسوس .
وهذه الآية تقتضي أن المشركين يستحقون العقاب بالمصائب في الدنيا ، ولو لم يأتهم رسول ؛ لأن أدلة وحدانية الله مستقرة في الفطرة ، ومع ذلك فإن رحمة الله أدركتهم فلم يصبهم بالمصائب حتى أرسل إليهم رسولا .
ومعنى الآية على أصول الأشعري ، وما بينه أصحاب طريقته مثل القشيري ، : أن ذنب الإشراك لا عذر فيه لصاحبه ؛ لأن وأبي بكر بن العربي آدم بحيث لا يعذر بجهله عاقل ، فإن الله قد وضعه في الفطرة إذ أخذ عهده به على ذرية توحيد الله قد دعا إليه الأنبياء والرسل من عهد آدم كما أشار إليه قوله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) كما بيناه في سورة الأعراف .
ولكن الله يرأف بعباده إذا طالت السنون وانقرضت القرون ، وصار الناس مظنة الغفلة فيتعهدهم ببعثة الرسل للتذكير بما في الفطرة وليشرعوا لهم ما به صلاح الأمة .
فالمشركون الذين انقرضوا قبل البعثة المحمدية مؤاخذون بشركهم ومعاقبون عليه في الآخرة ، ولو شاء الله لعاقبهم عليه بالدنيا بالاستئصال ولكن الله أمهلهم ، [ ص: 137 ] ، قال تعالى والمشركون الذين جاءتهم الرسل ولم يصدقوهم مستحقون عذاب الدنيا زيادة على عذاب الآخرة ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون .
وأما الفرق الذين يعدون دليل توحيد الله بالإلهية عقليا مثل الماتريدية والمعتزلة فمعنى الآية على ظاهره ، وهو قول ليس ببعيد .