وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض  إن الله لا يحب المفسدين  
الإحسان داخل في عموم ابتغاء الدار الآخرة ، ولكنه ذكر هنا ليبني عليه الاحتجاج بقوله : كما أحسن الله إليك    . والكاف للتشبيه ، و " ما " مصدرية ، أي كإحسان الله إليك ، والمشبه هو الإحسان المأخوذ من أحسن أي إحسانا شبيها بإحسان الله إليك . ومعنى الشبه : أن يكون الشكر على كل نعمة من جنسها . وقد شاع بين النحاة تسمية هذه الكاف كاف التعليل ، ومثلها قوله تعالى : واذكروه كما هداكم    . والتحقيق أن التعليل حاصل من معنى التشبيه وليس معنى مستقلا من معاني الكاف . 
وحذف متعلق الإحسان لتعميم ما يحسن إليه ، فيشمل نفسه وقومه ودوابه ومخلوقات الله الداخلة في دائرة التمكن من الإحسان إليها . وفي الحديث : إن   [ ص: 180 ] الله كتب الإحسان على كل شيء  فالإحسان في كل شيء بحسبه ، والإحسان لكل شيء بما يناسبه ، حتى الأذى المأذون فيه فبقدره ، ويكون بحسن القول وطلاقة الوجه وحسن اللقاء . 
وعطف " لا تبغ الفساد في الأرض " للتحذير من خلط الإحسان بالفساد  ؛ فإن الفساد ضد الإحسان ، فالأمر بالإحسان يقتضي النهي عن الفساد ، وإنما نص عليه لأنه لما تعددت موارد الإحسان والإساءة فقد يغيب عن الذهن أن الإساءة إلى شيء مع الإحسان إلى أشياء يعتبر غير إحسان . 
والمراد بالأرض أرضهم التي هم حالون بها ، وإذ قد كانت جزءا من الكرة الأرضية فالإفساد فيها إفساد مظروف في عموم الأرض ، وقد تقدمت نظائره منها في قوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها  في سورة البقرة . 
وجملة إن الله لا يحب المفسدين  علة للنهي عن الإفساد ؛ لأن العمل الذي لا يحبه الله لا يجوز لعباده عمله ، وقد كان قارون موحدا على دين إسرائيل  ، ولكنه كان شاكا في صدق مواعيد موسى  وفي تشريعاته . 
				
						
						
