من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون
تتنزل جملة من جاء بالحسنة منزلة بدل الاشتمال لجملة والعاقبة للمتقين ؛ لأن العاقبة ذات أحوال من الخير ودرجات من النعيم وهي على حسب ما يجيء به المتقون من الحسنات ، فتتفاوت درجاتهم بتفاوتها .
وفي اختيار فعل " جاء " في الموضعين هنا إشارة إلى أن المراد : من حضر بالحسنة [ ص: 191 ] ومن حضر بالسيئة يوم العرض على الحساب . ففيه إشارة إلى أن العبرة بخاتمة الأمر وهي مسألة الموافاة . وأما اختيار فعل " عملوا " في قوله : الذين عملوا السيئات فلما فيه من التنبيه على أن عملهم هو علة جزائهم زيادة في التنبيه على عدل الله تعالى .
ومعنى فله خير منها أن كل حسنة تحتوي على خير لا محالة يصل إلى نفس المحسن أو إلى غيره ، فللجائي بالحسنة خير أفضل مما في حسنته من الخير ، أو فله من الله إحسان عليها خير من الإحسان الذي في الحسنة ، قال تعالى في آيات أخرى فله عشر أمثالها أي فله من الجزاء حسنات أمثالها وهو تقدير يعلمه الله .
ولما ذكر جزاء الإحسان أعقب بضد ذلك على مقابلة فضل الله تعالى على المحسن بعدله مع المسيء . عادة القرآن من قرن الترغيب بالترهيب
ومن جاء بالسيئة ما صدقه الذين عملوا السيئات ، و الذين عملوا السيئات الثاني هو عين من جاء بالسيئة ، فكان المقام مقام الإضمار بأن يقال : ومن جاء بالسيئة فلا يجزون إلخ ، ولكنه عدل عن مقتضى الظاهر ؛ لأن في التصريح بوصفهم بـ عملوا السيئات تكريرا لإسناد عمل السيئات إليهم ؛ لقصد تهجين هذا العمل الذميم وتبغيض السيئة إلى قلوب السامعين من المؤمنين .
وفي قوله : إلا ما كانوا يعملون استثناء مفرغ عن فعل يجزى المنفي المفيد بالنفي عموم أنواع الجزاء ، والمستثنى تشبيه بليغ ، أي : جزاء شبه الذي كانوا يعملونه ، والمراد المشابهة والمماثلة في عرف الدين ، أي جزاء وفاقا لما كانوا يعملون ، وجاريا على مقداره لا حيف فيه ، وذلك موكول إلى العلم الإلهي .