أعقب تثبيت المؤمنين على ما يصيبهم من فتون المشركين وما في ذلك من الوعد والوعيد بزجر المشركين على ما يعملونه من السيئات في جانب المؤمنين ، وأعظم تلك السيئات فتونهم المسلمين . فالمراد بالذين يعملون السيئات الفاتنون للمؤمنين .
وهذا ووعيدهم بأن الله لا يفلتهم . وفي هذا أيضا زيادة تثبيت للمؤمنين بأن الله ينصرهم من أعدائهم .
فـ أم للإضراب الانتقالي ويقدر بعدها استفهام إنكاري .
والسيئات : الأعمال السوء . وهي التنكيل والتعذيب وفتون المسلمين .
والسبق : مستعمل مجازا في النجاة والانفلات كقول مرة بن عداء الفقعسي :
[ ص: 207 ]
كأنك لم تسبق من الدهر مرة إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب
وقوله تعالى : وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وقوله : فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه .وقد تقدم عند قوله تعالى : ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا في سورة الأنفال . والمعنى : أم حسبوا أن قد شفوا غيظهم من المؤمنين فهم بذلك غلبوا أولياءنا فغلبونا !
وجملة ساء ما يحكمون ذم لحسبانهم ذلك وإبطال له . فهي مقررة لمعنى الإنكار في جملة أم حسب الذين يعملون السيئات فلها حكم التوكيد ، فلذلك فصلت .
وهذه الجملة تقتضي أن يكون هذا الحسبان واقعا منهم ، ومعنى وقوعه أنهم اعتقدوا ما يساوي هذا الحسبان ؛ لأنهم حين لم يستطع المؤمنون رد فتنهم قد اغتروا بأنهم غلبوا المؤمنين ، وإذ قد كان المؤمنون يدعون إلى الله دون الأصنام فمن غلبهم فقد حسب أنه غلب من يدعون إليه ، وهم لا يشعرون بهذا الحسبان ، فافهمه .
والحكم مستعمل في معنى الظن والاعتقاد تهكما بهم بأنهم نصبوا أنفسهم منصب الذي يحكم فيطاع و ما يحكمون موصول وصلته ، أي ساء الحكم الذي يحكمونه .
وهذه الآية وإن كانت واردة في شأن المشركين المؤذين للمؤمنين ، فهي تشير إلى تحذير المسلمين من مشابهتهم في اقتراف السيئات استخفافا بوعيد الله عليها ؛ لأنهم في ذلك يأخذون بشيء من مشابهة حسبان الانفلات ، وإن كان المؤمن لا يظن ذلك ولكنه ينزل منزلة من يظنه لإعراضه عن الوعيد حين يقترف السيئة .