وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين
خص بالذكر فريقان هما ممن شمله عموم قوله : العالمين اهتماما بهاذين الفريقين وحاليهما : فريق الذين آمنوا ، وفريق المنافقين ؛ لأن العلم بما في صدور الفريقين من إيماء ونفاق يترتب عليه الجزاء المناسب لحاليهما في العاجل والآجل ، فذلك ترغيب وترهيب .
ووجه تأكيد كلا الفعلين بلام القسم ونون التوكيد أن المقصود من هذا الخبر رد اعتقاد المنافقين أن الله لا يطلع رسوله على ما في نفوسهم ، فالمقصود من الخبرين هو ثانيهما ، أعني قوله : وليعلمن المنافقين .
وأما قوله : وليعلمن الله الذين آمنوا فهو تمهيد لما بعده ، وتنصيص على عدم التباس الإيمان المكذوب بالإيمان الحق .
وفي هذا أيضا إرادة المعنى الكنائي من العلم وهو مجازاة كل فريق على حسب ما علم الله من حاله .
وجيء في جانب هاذين بالفعل المضارع المستقبل ؛ إذ نون التوكيد لا يؤكد بها الخبر المثبت إلا وهو مستقبل ; إما لأن العلم مكنى به عن لازمه وهو مقابلة كل فريق بما يستحقه بحسب ما علم من حاله والمجازاة أمر مستقبل ، وإما لأن المراد علم بمستقبل وهو اختلاف أحوالهم يوم يجيء النصر ، فلعل من كانوا منافقين وقت نزول الآية يكونون مؤمنين يوم النصر ويبقى قوم على نفاقهم .
والمخالفة بين المؤمنين والمنافقين في التعبير عن الأولين بطريق الموصول والصلة الماضوية ، وعن الآخرين بطريق اللام واسم الفاعل - لما يؤذن به الموصول من اشتهارهم بالإيمان وما يؤذن به الفعل الماضي من تمكن الإيمان منهم وسابقيته ، وما يؤذن به [ ص: 219 ] التعريف باللام من كونهم عهدوا بالنفاق وطريانه عليهم بعد أن كانوا مؤمنين ، ففيه تعريف بسوء عاقبتهم مع ما في ذلك من التفنن ورعاية الفاصلة .