أفادت الفاء التفريع على الكلام السابق ؛ لما اشتمل عليه من أن الشيطان زين لهم أعمالهم ومن استكبار الآخرين ، أي فكان من عاقبة ذلك أن أخذهم الله بذنوبهم العظيمة الناشئة عن تزيين الشيطان لهم أعمالهم وعن استكبارهم في الأرض ، وليس المفرع هو أخذ الله إياهم بذنوبهم ؛ لأن ذلك قد أشعر به ما قبل التفريع ، ولكنه ذكر ليفضى بذكره إلى تفصيل أنواع أخذهم وهو قوله : فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا إلى آخره ، فالفاء في قوله : فمنهم من أرسلنا عليه . . . إلخ لتفريع ذلك التفصيل على الإجمال الذي تقدمه ، فتحصل خصوصية الإجمال ثم التفصيل ، وللدلالة على عظيم تصرف الله .
فأما الذين أرسل عليهم حاصب فهم عاد . والحاصب : الريح الشديدة ، سميت حاصبا لأنها تقلع الحصباء من الأرض . قال أبو وجزة السعدي :
صببت عليكم حاصبي فتركتكم كأصرام عاد حين جللها الرمد
فجعل الحاصب مما أصاب عادا . وليس المراد بهم قوم لوط كالذي في قوله تعالى : إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط ؛ لأن قوم لوط مر آنفا الكلام على عذابهم مفصلا ، فلا يدخلون في هذا الإجمال .والذين أخذتهم الصيحة هم ثمود ، والذين خسفت بهم الأرض هو قارون وأهله . وقد تقدم ذكر الخسف في سورة القصص . والذين أغرقهم : فرعون وهامان ومن معهما من قومهما . وقد جاء هذا على طريقة النشر على ترتيب اللف .
والأخذ : الإتلاف والإهلاك ، شبه الإعدام بالأخذ ، بجامع إزالة الشيء من مكانه ، فاستعير له فعل أخذنا . وقد نفي عن الله تعالى ظلم هؤلاء ؛ لأن إيلامهم كان جزاء على أعمالهم ، وكل ما كان من نوع الجزاء يوصف بالعدل ، وقد نفى الله عن نفسه الوصف بالظلم ، فوجب الإيمان به سمعا لا عقلا في مقام الجزاء ، وأما في [ ص: 252 ] مقام التكوين فلا . وظلمهم أنفسهم هو تسببهم في عذاب أنفسهم فجروا إليها العقاب ؛ لأن النفس أولى الأشياء برأفة صاحبها بها وتفكيره في أسباب خيرها .
والاستدراك ناشئ عن في عقابهم ؛ لأنه يتوهم منه انتفاء موجب العقاب ، فالاستدراك لرفع هذا التوهم . نفي الظلم عن الله