nindex.php?page=treesubj&link=28973_8195nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل
إنحاء على المشركين وإظهار لظلمهم بعد أن بكتهم بتقرير حرمة الأشهر الحرم الدال على أن ما وقع من أهل السرية من قتل رجل فيه كان عن خطأ في الشهر أو ظن سقوط الحرمة بالنسبة لقتال العدو ، فإن المشركين استعظموا فعلا واستنكروه وهم يأتون ما هو أفظع منه ، ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=8193تحريم القتال في الشهر الحرام ليس لذات الأشهر ، لأن الزمان لا حرمة له في ذاته وإنما حرمته تحصل بجعل الله إياه ذا حرمة ، فحرمته تبع لحوادث تحصل فيه ، وحرمة الأشهر الحرم لمراعاة تأمين سبيل الحج والعمرة ومقدماتهما ولواحقهما فيها ، فلا جرم أن الذين استعظموا حصول القتال في الشهر الحرام واستباحوا حرمات ذاتية بصد المسلمين ، وكفروا بالله الذي جعل الكعبة حراما وحرم لأجل حجها الأشهر الحرم ، وأخرجوا أهل الحرم منه ، وآذوهم ، لأحرياء بالتحميق والمذمة ، لأن هاته الأشياء المذكورة كلها محرمة لذاتها لا تبعا لغيرها .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري لرجل من أهل
العراق جاء يسأله عن دم البعوض إذا أصاب الثوب هل ينجسه ، وكان ذلك عقب مقتل
الحسين بن علي رضي الله عنهما : عجبا لكم يا أهل
العراق تستحلون دم
الحسين وتسألون عن دم البعوض . ويحق التمثل هنا بقول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم
[ ص: 329 ] والمعنى أن الصد وما عطف عليه من أفعال المشركين أكبر إثما عند الله من إثم القتال في الشهر الحرام .
والعندية في قوله عند الله عندية مجازية وهي عندية العلم والحكم . والتفضيل في قوله أكبر تفضيل الإثم أي كل واحد من تلك المذكورات أعظم إثما .
والمراد بالصد عن سبيل الله : منع من يريد الإسلام منه ونظيره قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به .
والكفر بالله : الإشراك به بالنسبة للمشركين وهم أكثر العرب ، وكذلك إنكار وجوده بالنسبة للدهريين منهم ، وتقدم الكلام عن الكفر وضابطه عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا سواء عليهم إلخ .
وقوله به الباء فيه لتعدية " كفر " وليست للظرفية والضمير المجرور بالباء عائد إلى اسم الجلالة .
و كفر معطوف على صد أي : صد عن سبيل الله وكفر بالله أكبر من قتال الشهر الحرام وإن كان القتال كبيرا .
و المسجد الحرام معطوف على سبيل الله فهو متعلق ب صد تبعا لتعلق متبوعه به .
واعلم أن مقتضى ظاهر ترتيب نظم الكلام أن يقال : وصد عن سبيل الله وكفر به وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، فخولف مقتضى هذا النظم إلى الصورة التي جاءت الآية عليها ، بأن قدم قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وكفر به فجعل معطوفا على صد قبل أن يستوفي " صد " ما تعلق به وهو والمسجد الحرام فإنه معطوف على سبيل الله المتعلق ب " صد " إذ المعطوف على المتعلق متعلق فهو أولى بالتقديم من المعطوف على الاسم المتعلق به ، لأن المعطوف على المتعلق به أجنبي عن المعطوف عليه ، وأما المعطوف على المتعلق فهو من صلة المعطوف عليه ، والداعي إلى هذا الترتيب هو أن يكون نظم الكلام على أسلوب أدق من مقتضى الظاهر وهو الاهتمام بتقديم ما هو أفظع من جرائمهم ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28675الكفر بالله أفظع من الصد عن المسجد الحرام ، فكان ترتيب النظم على تقديم الأهم فالأهم ، فإن الصد عن سبيل الإسلام يجمع مظالم كثيرة ، لأنه اعتداء على الناس في ما يختارونه لأنفسهم ، وجحد لرسالة رسول الله ، والباعث عليه انتصارهم لأصنامهم
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا [ ص: 330 ] إن هذا لشيء عجاب فليس الكفر بالله إلا ركنا من أركان الصد عن الإسلام فلذلك قدم الصد عن سبيل الله ثم ثنى بالكفر بالله ليفاد بدلالة المطابقة بعد أن دل عليه الصد عن سبيل الله بدلالة التضمن ، ثم عد عليهم الصد عن المسجد الحرام ثم إخراج أهله منه .
ولا يصح أن يكون والمسجد الحرام عطفا على الضمير في قوله به لأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام فإن الكفر يتعدى إلى ما يعبد وما هو دين وما يتضمن دينا ، على أنهم يعظمون المسجد الحرام ولا يعتقدون فيه ما يسوغ أن يتكلف بإطلاق لفظ الكفر عليه على وجه المجاز .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وإخراج أهله منه أي إخراج المسلمين من
مكة فإنهم كانوا حول المسجد الحرام ، لأن في إخراجهم مظالم كثيرة فقد مرض
المهاجرون في خروجهم إلى
المدينة ومنهم كثير من أصابته الحمى حتى رفعت من
المدينة ببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، على أن التفضيل إنما تعلق بوقوع القتال في الأشهر الحرم لا بنفس القتل فإن له حكما يخصه .
والأهل : الفريق الذين لهم مزيد اختصاص بما يضاف إليه اللفظ ، فمنه أهل الرجل عشيرته ، وأهل البلد المستوطنون به ، وأهل الكرم المتصفون به ، وأراد به هنا المستوطنين
بمكة وهم المسلمون ، وفيه إيماء إلى أنهم أحق بالمسجد الحرام ، لأنهم الذين اتبعوا ملة من بنى المسجد الحرام قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والفتنة أكبر من القتل تذييل مسوق مساق التعليل ، لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وإخراج أهله منه ; وإذ قد كان إخراج أهل الحرم منه أكبر من القتل; كان ما ذكر قبله من الصد عن الدين والكفر بالله والصد عن المسجد الحرام أكبر بدلالة الفحوى ، لأن تلك أعظم جرما من جريمة إخراج المسلمين من
مكة .
والفتنة : التشغيب والإيقاع في الحيرة واضطراب العيش فهي اسم شامل لما يعظم من الأذى الداخل على أحد أو جماعة من غيرهم ، وأريد بها هنا ما لقيه المسلمون من المشركين من المصائب في الدين بالتعرض لهم بالأذى بالقول والفعل ، ومنعهم من إظهار عبادتهم ، وقطيعتهم في المعاملة ، والسخرية بهم والضرب المدمي والتمالؤ على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم والإخراج من
مكة ومنع من أموالهم ونسائهم وصدهم عن البيت ، ولا يخفى أن مجموع ذلك أكبر من قتل المسلمين واحدا من رجال المشركين وهو
عمرو الحضرمي وأسرهم رجلين منهم .
[ ص: 331 ] و أكبر أي أشد كبرا أي قوة في المحارم ، أي أكبر من القتل الذي هو في الشهر الحرام كبير .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_8195nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ
إِنْحَاءٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَإِظْهَارٌ لِظُلْمِهِمْ بَعْدَ أَنْ بَكَّتَهُمْ بِتَقْرِيرِ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِ السَّرِيَّةِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ فِيهِ كَانَ عَنْ خَطَأٍ فِي الشَّهْرِ أَوْ ظَنِّ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ اسْتَعْظَمُوا فِعْلًا وَاسْتَنْكَرُوهُ وَهُمْ يَأْتُونَ مَا هُوَ أَفْظَعُ مِنْهُ ، ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8193تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَيْسَ لِذَاتِ الْأَشْهُرِ ، لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا حُرْمَتُهُ تَحْصُلُ بِجَعْلِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَا حُرْمَةٍ ، فَحُرْمَتُهُ تَبَعٌ لِحَوَادِثَ تَحْصُلُ فِيهِ ، وَحُرْمَةُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِمُرَاعَاةِ تَأْمِينِ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمُقَدِّمَاتِهِمَا وَلَوَاحِقِهِمَا فِيهَا ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَعْظَمُوا حُصُولَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَاسْتَبَاحُوا حُرُمَاتٍ ذَاتِيَّةً بِصَدِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْكَعْبَةَ حَرَامًا وَحَرَّمَ لِأَجْلِ حَجِّهَا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ ، وَأَخْرَجُوا أَهْلَ الْحَرَمِ مِنْهُ ، وَآذَوْهُمْ ، لَأَحْرِيَاءُ بِالتَّحْمِيقِ وَالْمَذَمَّةِ ، لِأَنَّ هَاتِهِ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لِذَاتِهَا لَا تَبَعًا لِغَيْرِهَا .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِرَاقِ جَاءَ يَسْأَلُهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ هَلْ يُنَجِّسُهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ عَقِبَ مَقْتَلِ
الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : عَجَبًا لَكُمْ يَا أَهْلَ
الْعِرَاقِ تَسْتَحِلُّونَ دَمَ
الْحُسَيْنِ وَتَسْأَلُونَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ . وَيَحِقُّ التَّمَثُّلُ هُنَا بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
أَتَغْضَبُ إِنْ أُذُنَا قُتَيْبَةَ حُزَّتَا جَهَارًا وَلَمْ تَغْضَبْ لِقَتْلِ ابْنِ خَازِمِ
[ ص: 329 ] وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّدَّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ أَكْبَرُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ إِثْمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ .
وَالْعِنْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ عِنْدِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ عِنْدِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ . وَالتَّفْضِيلُ فِي قَوْلِهِ أَكْبَرُ تَفْضِيلُ الْإِثْمِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ أَعْظَمُ إِثْمًا .
وَالْمُرَادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ : مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ مِنْهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ .
وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ : الْإِشْرَاكُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ الْعَرَبِ ، وَكَذَلِكَ إِنْكَارُ وَجُودِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّهْرِيِّينَ مِنْهُمْ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنِ الْكُفْرِ وَضَابِطِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ إِلَخْ .
وَقَوْلُهُ بِهِ الْبَاءُ فِيهِ لِتَعْدِيَةِ " كُفْرٌ " وَلَيْسَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ .
وَ كُفْرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى صَدٍّ أَيْ : صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِاللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ قِتَالِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ الْقِتَالُ كَبِيرًا .
وَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعْطُوفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ صَدَّ تَبَعًا لِتَعَلُّقِ مَتْبُوعِهِ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ تَرْتِيبِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَصَدٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ، فَخُولِفَ مُقْتَضَى هَذَا النَّظْمِ إِلَى الصُّورَةِ الَّتِي جَاءَتِ الْآيَةُ عَلَيْهَا ، بِأَنْ قُدِّمَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَكُفْرٌ بِهِ فَجُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى صَدٍّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ " صَدٌّ " مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِ " صَدٌّ " إِذِ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ مُتَعَلِّقٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَى الِاسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِهِ أَجْنَبِيٌّ عَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَعْطُوفُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ فَهُوَ مِنْ صِلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَالدَّاعِي إِلَى هَذَا التَّرْتِيبِ هُوَ أَنْ يَكُونَ نَظْمُ الْكَلَامِ عَلَى أُسْلُوبٍ أَدَقَّ مِنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاهْتِمَامُ بِتَقْدِيمِ مَا هُوَ أَفْظَعُ مِنْ جَرَائِمِهِمْ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675الْكُفْرَ بِاللَّهِ أَفْظَعُ مِنَ الصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَكَانَ تَرْتِيبُ النَّظْمِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ، فَإِنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ الْإِسْلَامِ يَجْمَعُ مَظَالِمَ كَثِيرَةً ، لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى النَّاسِ فِي مَا يَخْتَارُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَجَحْدٌ لِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ انْتِصَارُهُمْ لِأَصْنَامِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ ص: 330 ] إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ فَلَيْسَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ إِلَّا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ لِيُفَادَ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ بَعْدَ أَنْ دَلَّ عَلَيْهِ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ ، ثُمَّ عَدَّ عَلَيْهِمُ الصَّدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ إِخْرَاجَ أَهْلِهِ مِنْهُ .
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْكُفْرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ الْكُفْرَ يَتَعَدَّى إِلَى مَا يُعْبَدُ وَمَا هُوَ دِينٌ وَمَا يَتَضَمَّنُ دِينًا ، عَلَى أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُتَكَلَّفَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَيْ إِخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لِأَنَّ فِي إِخْرَاجِهِمْ مَظَالِمَ كَثِيرَةً فَقَدْ مَرِضَ
الْمُهَاجِرُونَ فِي خُرُوجِهِمْ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَمِنْهُمْ كَثِيرٌ مَنْ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى حَتَّى رُفِعَتْ مِنَ
الْمَدِينَةِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى أَنَّ التَّفْضِيلَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِوُقُوعِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمًا يَخُصُّهُ .
وَالْأَهْلُ : الْفَرِيقُ الَّذِينَ لَهُمْ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِمَا يُضَافُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ ، فَمِنْهُ أَهْلُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ الْمُسْتَوْطِنُونَ بِهِ ، وَأَهْلُ الْكَرَمِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ ، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْمُسْتَوْطِنِينَ
بِمَكَّةَ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مِلَّةَ مَنْ بَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ تَذْيِيلٌ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ ، لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ; وَإِذْ قَدْ كَانَ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْحَرَمِ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنَ الْقَتْلِ; كَانَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الصَّدِّ عَنِ الدِّينِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَكْبَرَ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى ، لِأَنَّ تِلْكَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ جَرِيمَةِ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
مَكَّةَ .
وَالْفِتْنَةُ : التَّشْغِيبُ وَالْإِيقَاعُ فِي الْحِيرَةِ وَاضْطِرَابُ الْعَيْشِ فَهِيَ اسْمٌ شَامِلٌ لِمَا يُعَظِّمُ مِنَ الْأَذَى الدَّاخِلِ عَلَى أَحَدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَأُرِيدَ بِهَا هُنَا مَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَصَائِبِ فِي الدِّينِ بِالتَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْأَذَى بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَمَنْعِهِمْ مِنْ إِظْهَارِ عِبَادَتِهِمْ ، وَقَطِيعَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَالسُّخْرِيَةِ بِهِمْ وَالضَّرْبِ الْمُدْمِي وَالتَّمَالُؤِ عَلَى قَتْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْرَاجِ مِنْ
مَكَّةَ وَمَنْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنِ الْبَيْتِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ أَكْبَرُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدًا مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ
عَمْرٌو الْحَضْرَمِيُّ وَأَسْرِهِمْ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ .
[ ص: 331 ] وَ أَكْبَرُ أَيْ أَشَدُّ كِبَرًا أَيْ قُوَّةً فِي الْمَحَارِمِ ، أَيْ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَبِيرٌ .