والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين
ختم توبيخ المشركين وذمهم بالتنويه بالمؤمنين إظهارا لمزيد العناية بهم ، فلا يخلو مقام ذم أعدائهم عن الثناء عليهم ؛ لأن ذلك يزيد الأعداء غيظا وتحقيرا .
والذين جاهدوا في الله هم المؤمنون الأولون ، فالموصول بمنزلة المعرف بلام العهد . وهذا الجهاد هو الصبر على الفتن والأذى ومدافعة كيد العدو ، وهو المتقدم في قوله أول السورة : ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إذ لم يكن يومئذ جهاد القتال كما علمت من قبل .
وجيء بالموصول للإيماء إلى أن الصلة سبب الخبر . ومعنى جاهدوا فينا [ ص: 37 ] جاهدوا في مرضاتنا والدين الذي اخترناه لهم . والظرفية مجازية ، يقال : هي ظرفية تعليل تفيد مبالغة في التعليل .
والهداية : الإرشاد والتوفيق بالتيسير القلبي والإرشاد الشرعي ، أي لنزيدنهم هدى . وسبل الله : الأعمال الموصلة إلى رضاه وثوابه ، شبهت بالطرق الموصلة إلى منزل الكريم المكرم للضيف .
والمراد بالمحسنين جميع الذين كانوا محسنين ، أي كان عمل الحسنات شعارهم وهو عام . وفيه تنويه بالمؤمنين بأنهم في عداد من مضى من الأنبياء والصالحين . وهذا أوقع في إثبات الفوز لهم مما لو قيل : فأولئك المحسنون ؛ لأن في التمثيل بالأمور المقررة المشهورة تقريرا للمعاني ؛ ولذلك جاء في تعليم الصلاة على النبيء - صلى الله عليه وسلم - قوله : إبراهيم وعلى آل إبراهيم . كما صليت على
والمعية : هنا مجاز في العناية والاهتمام بهم .
والجملة في معنى التذييل بما فيها من معنى العموم . وإنما جيء بها معطوفة للدلالة على أن المهم من سوقها هو ما تضمنته من أحوال المؤمنين ، فعطفت على حالتهم الأخرى وأفادت التذييل بعموم حكمها .
وفي قوله : لنهدينهم سبلنا إيماء إلى تيسير طريق الهجرة التي كانوا يتأهبون لها أيام نزول هذه السورة .